وَالرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ.
ــ
[مغني المحتاج]
بِفَرْجِهِ حُكِمَ بِبُلُوغِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ فَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ الْآخَرِ مَا يُعَارِضُهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ: يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِبُلُوغِهِ بِأَحَدِهِمَا كَالْحُكْمِ بِالِاتِّضَاحِ بِهِ ثُمَّ يُغَيِّرُ إنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ كَالْحُكْمِ بِالِاتِّضَاحِ بِهِ، فَفَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْبُلُوغِ بِذَلِكَ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِأَنَّ احْتِمَالَ ذُكُورَتِهِ مُسَاوٍ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ صُورَةُ مَنِيٍّ بِهِ أَوْ حَيْضٍ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا غَايَةَ بَعْدَهُ مُحَقَّقَةً تُنْتَظَرُ، وَلَا يُحْكَمُ بِالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّبَا فَلَا نُبْطِلُهُ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ بَعْدَهُ مَا يَقْدَحُ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ لَنَا غَايَةً تُنْتَظَرُ، وَهِيَ اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ثُمَّ يُغَيِّرُ إنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ، فَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَغْيِيرُ الْحُكْمِ فِيمَا يُمْكِنُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي تَبْقَى مَعَهَا الْحَيَاةُ ظَاهِرٌ، لَكِنْ إذَا حَكَمْنَا بِبُلُوغِهِ رَتَّبْنَا عَلَيْهِ أَثَرَهُ مِنْ الْقَتْلِ بِقَوَدٍ وَرِدَّةٍ وَغَيْرِهِمَا مَعَ بَقَاءِ الشَّكِّ فِي الْبُلُوغِ، وَفِيهِ بُعْدٌ اهـ.
وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: إنْ وَقَعَ ذَلِكَ مَرَّةً لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ وَإِنْ تَكَرَّرَ حَكَمْنَا بِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الِاسْتِدْلَال بِالْحَيْضِ عَلَى الْأُنُوثَةِ وَبِالْمَنِيِّ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الذُّكُورَةِ شَرْطُهُ التَّكْرَارُ، وَالْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ اسْتَنَدَا فِي تَصْوِيبِ الْأَخْذِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْأَخْذِ بِالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ فِي التَّكْرَارِ أَيْضًا اهـ.
فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُتَوَلِّي.
فَإِنْ قِيلَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَيْضِ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ الذَّكَرِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَعَ انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا (وَالرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ) جَمِيعًا كَمَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: ٦] ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّهُ صَلَاحُ الْمَالِ فَقَطْ فَإِنْ قِيلَ الرُّشْدُ الْوَاقِعُ فِي الْآيَةِ نَكِرَةٌ، وَهُوَ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَلَا يَعُمُّ، وَلِذَلِكَ مَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى هَذَا الْوَجْهِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ النَّكِرَةَ الْوَاقِعَةَ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَشَمِلَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الْكَافِرَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا هُوَ صَلَاحٌ عِنْدَهُمْ فِي الدِّينِ وَالْمَالِ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ، ثُمَّ بَيَّنَ صَلَاحَ الدِّينِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ) مِنْ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُحَرَّمِ عَمَّا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِإِخْلَالِهِ بِالْمُرُوءَةِ، كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرُّشْدَ، لِأَنَّ الْإِخْلَالَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ بِالْمُرُوءَةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: ثَالِثُهَا: إنْ كَانَ يَحْمِلُ شَهَادَةً حُرِّمَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ شَرِبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute