فَلَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ دَامَ الْحَجْرُ، وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا انْفَكَّ بِنَفْسِ الْبُلُوغِ وَأُعْطِيَ مَالَهُ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فَكُّ الْقَاضِي، فَلَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَعُودُ الْحَجْرُ بِلَا إعَادَةٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
فِي يَدِ الْمُمْتَحِنِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْتَبَرَ السَّفِيهُ أَيْضًا، فَإِذَا ظَهَرَ رُشْدُهُ عَقَدَ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ (فَلَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ) لِاخْتِلَالِ صَلَاحِ الدِّينِ أَوْ الْمَالِ (دَامَ الْحَجْرُ) عَلَيْهِ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ فَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ مَنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَقَوْلُهُ: دَامَ الْحَجْرُ: أَيْ الْجِنْسُ لَا حَجْرُ الصِّبَا لِانْقِطَاعِهِ بِالْبُلُوغِ كَمَا مَرَّ وَيَخْلُفُهُ غَيْرُهُ (وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا انْفَكَّ) الْحَجْرُ عَنْهُ (بِنَفْسِ الْبُلُوغِ) أَوْ غَيْرَ رَشِيدٍ ثُمَّ رَشَدَ فَبِنَفْسِ الرُّشْدِ (وَأُعْطِيَ مَالَهُ) وَلَوْ امْرَأَةً فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهَا حِينَئِذٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «لَا تَتَصَرَّفُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» فَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى ضَعْفِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَى (وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فَكُّ الْقَاضِي) لِأَنَّ الرُّشْدَ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ حَجْرٌ ثَبَتَ بِغَيْرِ حَاكِمٍ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ زَوَالُهُ عَلَى إزَالَةِ الْحَاكِمِ كَحَجْرِ الْجُنُونِ، وَإِنَّمَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الِانْفِكَاكِ وَإِعْطَاءِ الْمَالِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُسَلَّمُ الْمَالُ إلَى الْمَرْأَةِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ يُدْفَعُ إلَيْهَا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَلَا يَنْفُذُ تَبَرُّعُهَا بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مَا لَمْ تَصِرْ عَجُوزًا، فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: أَرَأَيْت لَوْ تَصَدَّقَتْ بِثُلُثِ مَالِهَا ثُمَّ بِثُلُثِ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ بِثُلُثِ الْبَاقِي هَلْ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ إنْ جَوَّزْت سُلْطَتَهَا عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ بِالتَّبَرُّعِ وَإِنْ مَنَعْت مَنَعْت الْحُرَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ مِنْ مَالِهِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ (فَلَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا (حُجِرَ) أَيْ حَجَرَ الْقَاضِي (عَلَيْهِ) لَا غَيْرُهُ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِآيَةِ {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: ٥] أَيْ أَمْوَالَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: ٥] وَلِخَبَرِ «خُذُوا عَلَى يَدِ سُفَهَائِكُمْ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَرُدَّ أَمْرَهُ إلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسَائِرُ الْعَصَبَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْفَقُ.
وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى حَجْرِ السَّفِيهِ وَإِنْ رَأَى النِّدَاءَ عَلَيْهِ لِيُتَجَنَّبَ فِي الْمُعَامَلَةِ فَعَلَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ عَادَ رَشِيدًا لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَجْرُ إلَّا بِرَفْعِ الْقَاضِي لَهُ كَمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ (وَقِيلَ يَعُودُ الْحَجْرُ بِلَا إعَادَةٍ) كَالْجُنُونِ وَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا هُوَ السَّفِيهُ الْمُهْمَلُ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، فَالْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ فَقَطْ، وَلَا حَجْرَ بِالْغَبْنِ فِي تَصَرُّفٍ دُونَ تَصَرُّفٍ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْحَجْرِ وَعَدَمِهِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute