وَضَمَانُ الْجُعْلِ كَالرَّهْنِ بِهِ.
وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا فِي الْجَدِيدِ.
ــ
[مغني المحتاج]
مَرَّ.
(وَضَمَانُ الْجُعْلِ) فِي الْجِعَالَةِ (كَالرَّهْنِ بِهِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ قَطْعًا، وَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي، فَلَهُ دِينَارٌ فَضَمِنَهُ عَنْهُ ضَامِنٌ قَبْلَ مَجِيءِ الْعَبْدِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَالِ الْكِتَابَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُعْلِ وَالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ إلَى اللُّزُومِ إلَّا بِالْعَمَلِ، بِخِلَافِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ.
(وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَضْمُونِ (مَعْلُومًا) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَعَيْنًا (فِي الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ لِآدَمِيٍّ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ وَلَا غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَأَحَدِ الدَّيْنَيْنِ، وَالْقَدِيمُ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ، لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ مُتَيَسِّرَةٌ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مَجْهُولٍ يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ، مِثْلُ: أَنَا ضَامِنٌ مَا بِعْت مِنْ زَيْدٍ، كَمَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، فَإِنْ قَالَ لِشَيْءٍ مِنْهُ بَطَلَ جَزْمًا.
تَنْبِيهٌ جُمْلَةُ الشُّرُوطِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ ثَلَاثَةٌ: كَوْنُهُ ثَابِتًا لَازِمًا مَعْلُومًا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَبَقِيَ لِلْمَضْمُونِ شَرْطٌ رَابِعٌ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَهْمَلَهُ الشَّيْخَانِ، وَهُوَ كَوْنُهُ قَابِلًا؛ لَأَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَخْرُجُ الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ اهـ.
وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَحَقُّ الشُّفْعَةِ اهـ وَهَذَا الشَّرْطُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ، فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ حَقُّ الْقَسْمِ لِلْمَظْلُومَةِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ، وَيَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لِلْمَرْأَةِ، وَعَلَى عَكْسِهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ لِلْمَرِيضِ الْمُعْسِرِ أَوْ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ.
تَتِمَّةٌ: يَصِحُّ ضَمَانُ رَدِّ كُلِّ عَيْنٍ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ كَمَغْصُوبَةٍ وَمُسْتَعَارَةٍ وَمُسْتَامَةٍ وَمَبِيعٍ لَمْ يُقْبَضْ كَمَا يَصِحُّ بِالْبَدَنِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْمَالُ، وَيَبْرَأُ الضَّامِنُ بِرَدِّهَا لِلْمَضْمُونِ لَهُ وَيَبْرَأُ أَيْضًا بِتَلَفِهَا، فَلَا يَلْزَمهُ قِيمَتُهَا كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِبَدَنِهِ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ الدَّيْنُ، وَلَوْ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَيْنِ إنْ تَلِفَتْ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقِيمَةِ، وَمَحَلُّ صِحَّةِ ضَمَانِ الْعَيْنِ إذَا أَذِنَ فِيهِ وَاضِعُ الْيَدِ أَوْ كَانَ الضَّامِنُ قَادِرًا عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْهُ نَقَلَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ عَنْ الْأَصْحَابِ. أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً عَلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَالِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا التَّخْلِيَةُ دُونَ الرَّدِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute