وَإِنْ قَالَ بِعْ بِمِائَةٍ لَمْ يَبِعْ بِأَقَلَّ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالنَّهْيِ.
ــ
[مغني المحتاج]
مُعَيَّنٍ مِنْ تَتِمَّةِ لَفْظِ الْمُوَكِّلِ فَمَدْلُولُهُ بِعْ مِنْ مُعَيَّنٍ لَا مُبْهَمٍ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا مَثَّلْتُ بِهِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ قَالَ: بِعْ مِنْ فُلَانٍ أَوْ فِي وَقْتِ كَذَا أَوْ كَذَا أَوْ عَيَّنَ مَكَانًا، وَهُوَ تَعْبِيرٌ حَسَنٌ.
فُرُوعٌ لَوْ قَالَ: اشْتَرِ عَبْدَ فُلَانٍ وَكَانَ فُلَانٌ قَدْ بَاعَهُ فَلِلْوَكِيلِ شِرَاؤُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْ زَوْجَتِي، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَلِلْوَكِيلِ طَلَاقُهَا أَيْضًا فِي الْعِدَّةِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ لَيْلًا فَإِنْ كَانَ الرَّاغِبُونَ فِيهِ مِثْلَ النَّهَارِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَلَوْ قَالَ بِعْ مِنْ زَيْدٍ فَبَاعَ لِوَكِيلِهِ لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي النِّكَاحِ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَقْلَ الْمِلْكِ، وَالْبَيْعُ يَقْبَلُهُ، وَقِيَاسُهُ عَدَمُهُ الصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ قَالَ بِعْ مِنْ وَكِيلِ زَيْدٍ فَبَاعَ مِنْ زَيْدٍ (وَإِنْ قَالَ بِعْ) هَذَا (بِمِائَةٍ لَمْ يَبِعْ بِأَقَلَّ) مِنْهَا وَلَوْ يَسِيرًا وَإِنْ كَانَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِذْنِ وَهَذَا بِخِلَافِ النَّقْصِ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِمَا يَتَغَابَنُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسَمَّى ثَمَنَ الْمِثْلِ بِخِلَافِ دُونَ الْمِائَةِ لَا يُسَمَّى مِائَةً. (وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ) عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ ذَلِكَ عُرْفًا إنَّمَا هُوَ مَنْعُ النَّقْصِ، وَقِيلَ لَا يَزِيدُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رُبَّمَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي إبْرَارِ قَسَمٍ، وَكَمَا لَوْ زَادَ فِي الصِّفَةِ: بِأَنْ قَالَ: بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مُكَسَّرَةٍ فَبَاعَ بِمِائَةٍ صَحِيحَةٍ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: لَهُ يُشْعِرُ بِجَوَازِ الْبَيْعِ بِالْمِائَةِ وَهُنَاكَ رَاغِبٌ بِزِيَادَةٍ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْغِبْطَةِ، فَلَوْ وَجَدَهُ فِي زَمَنِ الْخِيَار لَزِمَهُ الْفَسْخُ، فَلَوْ لَمْ يَفْسَخْ انْفَسَخَ الْمَبِيعُ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ (إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالنَّهْيِ) عَنْ الزِّيَادَةِ فَتَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ أَبْطَلَ حَقَّ الْعُرْفِ.
تَنْبِيهٌ يَرُدُّ عَلَى حَصْرِهِ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَوْ قَالَ: بِعْ لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الزِّيَادَةُ قَطْعًا، لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ إرْفَاقَهُ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُلْعِ بِمِائَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَحْمِلُوهُ عَلَى ذَلِكَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُلْعَ يَقَعُ غَالِبًا عَنْ شِقَاقٍ، وَذَلِكَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ الْمُحَابَاةِ وَلِذَلِكَ قَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْمَنْعَ فِي الْأُولَى بِمَا إذَا كَانَتْ الْمِائَةُ دُونَ ثَمَنِ الْمِثْلِ لِظُهُورِ قَصْدِ الْمُحَابَاةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ ثَمَنَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ زَيْدٍ بِمِائَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَقَلَّ مِنْهَا وَلَمْ يَحْمِلُوهُ عَلَى ذَلِكَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ مُمْكِنًا مِنْ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ كَانَ تَعْيِينُهُ ظَاهِرًا فِي قَصْدِ إرْفَاقِهِ وَشِرَاءُ الْعَيْنِ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ ضَعُفَ احْتِمَالُ ذَلِكَ الْمَقْصِدِ فَظَهَرَ قَصْدُ التَّعْرِيفِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute