للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَدُ الْوَكِيلِ يَدُ أَمَانَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ

فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ وَلَا يَنْعَزِلُ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

أَبِيعُهُ لَك فَاشْتَرَاهُ لِلْغَيْرِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ الْبَائِعُ بِلَفْظِ الْمُوَكِّلِ، بَلْ بِاسْمِهِ. فَقَالَ بِعْت زَيْدًا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت لَهُ وَنَوَيَاهُ فَكَالتَّعْبِيرِ بِالْمُوَكِّلِ.

تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ وُجُوبِ تَسْمِيَةِ الْمُوَكِّلِ فِي الْعَقْدِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ. مِنْهَا مَا إذَا وَكَّلَ شَخْصٌ عَبْدًا أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْت نَفْسِي مِنْك لِمُوَكِّلِي لِأَنَّ قَوْلَهُ: اشْتَرَيْت نَفْسِي صَرِيحٌ فِي اقْتِضَاءِ الْعِتْقِ فَلَا يَنْدَفِعُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. وَمِنْهَا مَا إذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ أَجْنَبِيًّا فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَصْرِيحُهُ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْعَبْدِ، فَلَوْ أَطْلَقَ وَنَوَى وَقَعَ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ لَا يَرْضَى بِعَقْدٍ يَتَضَمَّنُ الْإِعْتَاقَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي عَبْدَ فُلَانٍ بِثَوْبِي هَذَا مَثَلًا فَفَعَلَ وَمِنْهَا وَكِيلُ الْمُتَّهِبِ يَجِبُ أَنْ يُسَمِّيَهُ فِي الْقَبُولِ وَإِلَّا فَيَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ لِجَرَيَانِ الْخِطَابِ مَعَهُ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْمُوَكِّلِ وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ فِي وُقُوعِ الْعَقْدِ لِمُوَكِّلِهِ لِأَنَّ الْوَاهِبَ قَدْ يَسْمَحُ بِالتَّبَرُّعِ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ نَعَمْ إنْ نَوَاهُ الْوَاهِبُ أَيْضًا وَقَعَ عَنْهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ فِي الْهِبَةِ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِعَارَةِ وَالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا عِوَضَ فِيهِ. اهـ.

وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِيمَا لَا عِوَضَ فِيهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا وَكِيلُ النِّكَاحِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ وَهُوَ الْأَمَانَةُ فَقَالَ: (وَيَدُ الْوَكِيلِ يَدُ أَمَانَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ) لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ فِي الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ فَكَانَتْ يَدُهُ كَيَدِهِ، وَأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَمَعُونَةٍ وَالضَّمَانُ مُنَافٍ لِذَلِكَ وَمُنَفِّرٌ عَنْهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلَفَ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ.

(فَإِنْ تَعَدَّى) فِي الْعَيْنِ بِلُبْسٍ أَوْ رُكُوبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (ضَمِنَ) بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمَنَاءِ فِيهِمَا، وَمِنْ التَّعَدِّي أَنْ يَضِيعَ مِنْهُ وَلَا يَدْرِي كَيْفَ ضَاعَ، وَكَذَا لَوْ وَضَعَهُ فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ نَسِيَهُ، وَهَلْ يَضْمَنُ بِتَأْخِيرِ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الضَّمَانِ (وَلَا يَنْعَزِلُ) بِالتَّعَدِّي (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، وَالْأَمَانَةُ حُكْمٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِفَاعِهَا ارْتِفَاعُ أَصْلِهَا كَالرَّهْنِ. وَالثَّانِي: يَنْعَزِلُ كَالْمُودَعِ.

وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ ائْتِمَانٌ مَحْضٌ نَعَمْ إنْ كَانَ وَكِيلًا لِوَلِيٍّ أَوْ وَصِيٍّ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ انْعِزَالُهُ كَالْوَصِيِّ يُفَسَّقُ، إذْ لَا يَجُوزُ إبْقَاءُ مَالِهِ بِيَدِ غَيْرِ عَدْلٍ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَمْنَعُ الْوَكَالَةَ وَإِنْ مَنَعَ الْوِلَايَةَ وَلَكِنَّ الْمَمْنُوعَ إبْقَاءُ الْمَالِ بِيَدِهِ. .

أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَرْدُودُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَنْقُولُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْوَكِيلُ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ فِيمَا الْعَدَالَةُ شَرْطٌ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>