للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ

فَإِذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ فِي حُضُورِهِ أَوْ قَالَ رَفَعْت الْوَكَالَةَ أَوْ أَبْطَلْتهَا أَوْ أَخْرَجْتُك مِنْهَا انْعَزَلَ فَإِنْ عَزَلَهُ، وَهُوَ غَائِبٌ انْعَزَلَ فِي الْحَالِ، وَفِي قَوْلٍ لَا حَتَّى يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ.

ــ

[مغني المحتاج]

(فَصْلٌ) الْوَكَالَةُ وَلَوْ بِجُعْلٍ (جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ مِنْ جَانِبِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِي تَرْكِ مَا وَكَّلَ فِيهِ أَوْ فِي تَوْكِيلِ آخَرَ، وَمِنْ جَانِبِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَفَرَّغُ فَيَكُونُ اللُّزُومُ مُضِرًّا بِهِمَا، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَقَدَ الْوَكَالَةَ بِاسْتِئْجَارٍ، فَإِنْ كَانَ بِأَنْ عَقَدَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَهُوَ لَازِمٌ، وَهَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَائِهِ وَإِنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ وَشُرِطَ فِيهَا جُعْلٌ مَعْلُومٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَيُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ بِمَعَانِيهَا، وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ نَقَلَهُمَا الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ وَصَحَّحَ مِنْهُمَا الْأَوَّلَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْغَالِبَةِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ، وَعَلَى هَذَا أَيْضًا لَا يُحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَائِهِ.

(فَإِذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ فِي حُضُورِهِ) أَيْ أَتَى بِلَفْظِ الْعَزْلِ خَاصَّةً (أَوْ قَالَ) فِي حُضُورِهِ: (رَفَعْت الْوَكَالَةَ أَوْ أَبْطَلْتهَا) أَوْ أَزَلْتهَا أَوْ فَسَخْتَهَا أَوْ نَقَضْتهَا أَوْ صَرَفْتهَا (أَوْ أَخْرَجْتُك مِنْهَا انْعَزَلَ) مِنْهَا لِدَلَالَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ عَلَيْهِ (فَإِنْ عَزَلَهُ وَهُوَ غَائِبٌ انْعَزَلَ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدٍ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّضَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْعِلْمِ كَالطَّلَاقِ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ غَائِبٌ (وَفِي قَوْلٍ: لَا) يَنْعَزِلُ (حَتَّى يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ) مِمَّنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ كَالْقَاضِي، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِتَعَلُّقِ الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ بِالْقَاضِي فَيَعْظُمُ الضَّرَرُ بِنَقْضِ الْأَحْكَامِ وَفَسَادِ الْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْحَاكِمَ فِي وَاقِعَةٍ خَاصَّةٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَكِيلِ. اهـ.

قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنَّ الْوَكِيلَ الْعَامَّ كَوَكِيلِ السُّلْطَانِ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِ الْخَبَرِ لِعُمُومِ نَظَرِهِ كَالْقَاضِي وَلَمْ يَذْكُرُوهُ. اهـ.

وَرُبَّمَا يَلْتَزِمُ ذَلِكَ، وَلَا يُصَدَّقُ مُوَكِّلُهُ بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِي قَوْلِهِ: كُنْت عَزَلْته إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى عَزْلِهِ، وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ بَاعَهُ جَاهِلًا بِعَزْلِهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فَإِنْ أَسْلَمَهُ لِلْمُشْتَرِي ضَمِنَهُ كَالْوَكِيلِ إذَا قَتَلَ بَعْدَ الْعَفْوِ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ، وَلَوْ عَزَلَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَ، وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَنْعَزِلْ حَتَّى يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِأَنَّ الْوَدِيعَ أَمِينُ الْوَكِيلِ يَتَصَرَّفُ، وَالْعَزْلُ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا:

<<  <  ج: ص:  >  >>