للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَلَّ مِنْهُ،

ــ

[مغني المحتاج]

قَالَ: لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِهِمَا فَإِنْ قِيلَ: الْحَقُّ أَخَصُّ مِنْ الشَّيْءِ فَكَيْفَ يُقْبَلُ فِي تَفْسِيرِ الْأَخَصِّ مَا لَا يُقْبَلُ فِي تَفْسِيرِ الْأَعَمِّ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ يُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الشَّيْءِ فَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ: لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ، وَيُرَادُ بِهِ ذَلِكَ، وَفِي الْخَبَرِ «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ» وَذَكَرَ مِنْهَا عِيَادَةَ الْمَرِيضِ وَرَدَّ السَّلَامِ، فَاعْتِبَارُ الْإِقْرَارِ بِمَا لَمْ يُطَالَبْ فِي مَحَلِّهِ إذَا لَمْ يَسَعْ اللَّفْظُ عُرْفًا فِيمَا لَا يُطَالَبُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبَك أَوْ غَصَبْتُك مَا تَعْلَمُ لَمْ يَصِحَّ إذْ قَدْ يُرِيدُ نَفْسَهُ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ غَيْرَ نَفْسِك قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ قَالَ: غَصَبْتُك شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ نَفْسَك لَمْ يُقْبَلْ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ: غَصَبْتُك شَيْئًا تَعْلَمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي غَصَبْتُك مَا تَعْلَمُ بِأَنَّ شَيْئًا اسْمٌ تَامٌّ ظَاهِرٌ فِي الْمُغَايَرَةِ بِخِلَافِ مَا.

(وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ) مُطْلَقٍ (أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ أَوْ كَبِيرٍ) بِمُوَحَّدَةٍ بَعْدَ الْكَافِ بِخَطِّهِ (أَوْ كَثِيرٍ) بِمُثَلَّثَةٍ بَعْدَ الْكَافِ بِخَطِّهِ أَوْ جَلِيلٍ أَوْ خَطِيرٍ أَوْ وَافِرٍ أَوْ نَفِيسٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَالِ فُلَانٍ أَوْ مِمَّا فِي يَدِهِ أَوْ مِمَّا يَشْهَدُ بِهِ الشُّهُودُ عَلَيْهِ أَوْ مِمَّا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ عَلَى فُلَانٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَلَّ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يُتَمَوَّلْ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ، وَإِنْ كَثُرَ مَالُ فُلَانٍ. أَمَّا عِنْدَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَالِ فَلِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزِّيَادَةِ. وَأَمَّا عِنْدَ وَصْفِهِ بِالْعَظَمَةِ وَنَحْوِهَا فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَقِيرِ أَوْ الشَّحِيحِ أَوْ بِاعْتِبَارِ كُفْرِ مُسْتَحِلِّهَا، وَعِقَابِ غَاصِبِهِ، وَثَوَابِ بَاذِلِهِ لِمُضْطَرٍّ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَالِ فُلَانٍ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَلَّ مِنْهُ أَوْ أَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَتَعَرَّضُ لِلتَّلَفِ، وَذَلِكَ عَيْنٌ تَتَعَرَّضُ لَهُ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ أَنْ أَلْزَمَ الْيَقِينَ وَأَطْرَحَ الشَّكَّ، وَلَا أَسْتَعْمِلَ الْغَلَبَةَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: أَيْ: مَا غَلَبَ عَلَى النَّاسِ. اهـ.

وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ فِي كَلَامِهِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ كَمَا قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ الشَّافِعِيُّ يُلْزَمُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْيَقِينِ وَبِالظَّنِّ الْقَوِيِّ لَا بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ وَالشَّكِّ، وَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ إذَا وَصَفَ الْمَالَ بِضِدِّ مَا ذُكِرَ كَقَوْلِهِ: مَالٌ حَقِيرٌ أَوْ قَلِيلٌ أَوْ خَسِيسٌ أَوْ طَفِيفٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَيَكُونُ وَصْفُهُ بِالْحَقَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ حَيْثُ احْتِقَارُ النَّاسِ لَهُ أَوْ فَنَاؤُهُ، وَلَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا مِنْ أَنَّ حَبَّةَ الْبُرِّ، وَنَحْوِهَا مَالٌ كَمَا ذَكَرَ مَا قَالُوهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُعَدُّ مَالًا فَإِنَّ كَوْنَهَا لَا تُعَدُّ مَالًا لِعَدَمِ تَمَوُّلِهَا لَا يَنْفِي كَوْنَهَا مَالًا كَمَا قَالَ زَيْدٌ لَا يُعَدُّ مِنْ الرِّجَالِ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا، فَكُلُّ مُتَمَوَّلٍ مَالٌ، وَلَا يَنْعَكِسُ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَحْكِي الْخِلَافَ فِي قَبُولِ التَّفْسِيرِ بِهَا فِي قَوْلِهِ شَيْءٌ وَيَجْزِمُ بِالْقَبُولِ فِي مَالٍ أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ وَنَحْوِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَعْكِسَ ذَلِكَ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>