وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إنْ اتَّصَلَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ.
فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
بِالْمِلْكِ، وَلَا يَغْرَمُ لِعَمْرٍو لِجَوَازِ كَوْنِهَا مِلْكَ عَمْرٍو، وَهِيَ فِي يَدِ زَيْدٍ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ بِمَنَافِعِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَرَهْنٍ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ بَيَانُ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِيمَا قَبْلَهُ بِإِلَّا أَوْ نَحْوِهَا، وَهُوَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَقَالَ: (وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ) فِي الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ لِكَثْرَةِ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّنْيِ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَهُوَ الرُّجُوعُ، وَمِنْهُ ثَنَى عَنَانَ دَابَّتِهِ، إذَا رَجَعَ فَلَمَّا رَجَعَ فِي الْإِقْرَار وَنَحْوِهِ عَمَّا اقْتَضَاهُ لَفْظُهُ، سُمِّيَ اسْتِثْنَاءً، وَاصْطِلَاحًا إخْرَاجٌ لِمَا بَعْدَ إلَّا وَأَخَوَاتِهَا مِنْ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا فِي الْإِيجَابِ، وَإِدْخَالُهُ فِي النَّفْيِ هَذَا (إنْ اتَّصَلَ) بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مَعَهُ كَلَامًا وَاحِدًا عُرْفًا فَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ بِسَكْتَةِ تَنَفُّسٍ أَوْ عِيٍّ أَوْ تَذَكُّرٍ أَوْ انْقِطَاعِ صَوْتٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بِخِلَافِ الْفَصْلِ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ وَكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ يَسِيرًا، وَفِي الْكَافِي لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَّا مِائَةً لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَوْ قَالَ: أَلْفُ دِرْهَمٍ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةً صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي، لِأَنَّ قَوْلَهُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِاسْتِدْرَاكِ مَا سَبَقَ مِنْهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِقْرَارِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ) أَيْ: الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً، فَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ إلَّا خَمْسَةً فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ مَا أَثْبَتَهُ، وَلَا يُجْمَعُ مُفَرَّقٌ بِالْعَطْفِ فِي الْمُسْتَثْنَى أَوْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ فِيهِمَا إنْ حَصَلَ بِجَمْعِهِ اسْتِغْرَاقٌ أَوْ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ وَاوَ الْعَطْفِ، وَإِنْ اقْتَضَتْ الْجَمْعَ لَا تُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنْ كَوْنِهِ ذَا جُمْلَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ، وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ الْمَعْطُوفَاتِ لَا إلَى الْأَخِيرِ فَقَطْ، فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ وَدِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذَا لَمْ يُجْمَعْ مُفَرَّقُهُ كَانَ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ مُسْتَثْنًى مِنْ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، فَيَسْتَغْرِقُ، فَيَلْغُو، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا وَدِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْمَعْ فُرِّقَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَانَ الْمُسْتَثْنَى دِرْهَمًا مِنْ دِرْهَمٍ، فَيَلْغُو، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ،.
(فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ) ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَعَكْسُهُ كَمَا مَرَّ وَالطَّرِيقُ فِيهِ، وَفِي نَظَائِرِهِ أَنْ يُجْمَعَ كُلُّ مَا هُوَ إثْبَاتٌ وَكُلُّ مَا هُوَ نَفْيٌ وَيُسْقَطُ الْمَنْفِيُّ مِنْ الْمُثْبَتِ، فَيَكُونُ الْبَاقِي هُوَ الْوَاجِبُ، فَالْعَشَرَةُ وَالثَّمَانِيَةُ فِي هَذَا الْمِثَالِ مُثْبَتَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute