فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا ثَبَتَ، فَلَوْ بَلَغَ وَكَذَّبَهُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْفِيًّا بِلِعَانِ الْغَيْرِ عَنْ فِرَاشِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ اسْتِلْحَاقُهُ لِغَيْرِ النَّافِي. أَمَّا الْمَنْفِيُّ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، فَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَازَعَهُ فِيهِ قَبْلَ النَّفْيِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ وَلَدَ زِنًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمُسْتَلْحَقُ بِفَتْحِ الْحَاءِ رَقِيقًا لِلْغَيْرِ وَلَا عَتِيقًا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ اسْتِلْحَاقُهُ مُحَافَظَةً عَلَى حَقِّ الْوَلَاءِ لِلسَّيِّدِ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْكَبِيرُ الْعَاقِلُ قُبِلَ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ مِنْ عَدَم الْقَبُولِ، وَالرَّقِيقُ بَاقٍ عَلَى رِقِّهِ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَ النَّسَبِ وَالرِّقِّ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُرِّيَّةَ وَالْحُرِّيَّةُ لَمْ تَثْبُتْ، وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ لَهُ وَهُوَ بِيَدِهِ وَلَمْ يُمْكِنْ لُحُوقُهُ بِهِ كَأَنْ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ لَغَا قَوْلُهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ لُحُوقُهُ بِهِ لَحِقَهُ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُصَدِّقُ لَهُ وَعَتَقُوا. أَمَّا ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ الْمُكَذِّبُ لَهُ فَلَا يَلْحَقَانِهِ وَيُعْتَقَانِ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِاعْتِرَافِهِ بِبُنُوَّتِهِمَا وَلَا يَرِثَانِ مِنْهُ كَمَا لَا يَرِثُ مِنْهُمَا.
ثُمَّ إنْ أَقَرَّ بِأُمٍّ فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ لِلْعِمْرَانِيِّ عَنْ ابْنِ اللَّبَّانِ أَنَّ إقْرَارَ الشَّخْصِ بِالْأُمِّ لَا يَصِحُّ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ وَأَقَرَّهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَبٍ فَكَذَّبَهُ أَوْ سَكَتَ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِلْحَاقُ أَوْ ابْنٍ.
(فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَّبَهُ) أَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ، وَكَذَا لَوْ سَكَتَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ هُنَا، وَإِنْ صُحِّحَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي فَصْلِ التَّسَامُعِ فِي الشَّهَادَةِ أَنَّ سُكُوتَ الْبَالِغِ فِي النَّسَبِ كَالْإِقْرَارِ (لَمْ يَثْبُتْ) نَسَبُهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَإِنْ لَمْ تَصْدُقْ بِذَلِكَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ اسْتَلْحَقَ بَالِغًا عَاقِلًا وَصَدَّقَهُ ثُمَّ رَجَعَا لَا يَسْقُطُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الْمَحْكُومَ بِثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ بِالِاتِّفَاقِ كَالثَّابِتِ بِالِافْتِرَاشِ (، وَإِنْ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا) أَوْ مَجْنُونًا (ثَبَتَ) نَسَبُهُ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ مَا عَدَا التَّصْدِيقَ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى النَّسَبِ عَسِرَةٌ، وَالشَّارِعُ قَدْ اعْتَنَى بِهِ وَأَثْبَتَهُ بِالْإِمْكَانِ فَلِذَلِكَ أَثْبَتْنَاهُ بِالِاسْتِلْحَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُقِرُّ بِهِ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ (فَلَوْ بَلَغَ) الصَّغِيرُ، أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ (وَكَذَّبَهُ) بَعْدَ كَمَالِهِ (لَمْ يَبْطُلْ) نَسَبُهُ (فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ فَلَا يَنْدَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُقَرِّ بِهِ تَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ وَالثَّانِي: يَبْطُلُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِهِ حِينَ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْإِنْكَارِ، وَقَدْ صَارَ وَالْأَحْكَامُ تَدُورُ مَعَ عِلَلِهَا وُجُودًا وَعَدَمًا.
فَإِنْ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَجْنُونِ يُخَالِفُهُ مَا لَوْ قَالَ لِمَجْنُونٍ: هَذَا أَبِي حَيْثُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ حَتَّى يُفِيقَ وَيُصَدَّقَ، وَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ: مَا أَدْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ الِابْنُ بَعْدَ الْجُنُونِ يَعُودُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute