فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ لَا مُسْتَعِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ لَهُ.
ــ
[مغني المحتاج]
ابْنُ الرِّفْعَةِ جَوَازَ الْإِعَارَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَاظِرًا وَهُوَ وَاضِحٌ (فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ (لَا مُسْتَعِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ، وَلِهَذَا لَا يُؤَجِّرُ، وَالْمُسْتَبِيحُ لَا يَمْلِكُ نَقْلَ مَا أُبِيحَ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الضَّيْفَ لَا يُبِيحُ لِغَيْرِهِ مَا قُدِّمَ لَهُ. وَالثَّانِي: يُعِيرُ كَمَا أَنَّ لِلْمُسْتَأْجَرِ أَنْ يُؤَجِّرَ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ثُمَّ إنْ لَمْ يُسَمِّ مَنْ يُعِيرُ لَهُ، فَالْأَوَّلُ عَلَى عَارِيَّتِهِ وَهُوَ الْمُعِيرُ مِنْ الثَّانِي وَالضَّمَانُ بَاقٍ عَلَيْهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَإِنْ رَدَّهَا الثَّانِي عَلَيْهِ بَرِئَ وَإِنْ سَمَّاهُ انْعَكَسَ هَذَا الْحُكْمُ (وَ) لَكِنْ (لَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ لَهُ) كَأَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ وَكِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ فِي حَاجَتِهِ أَوْ زَوْجَتُهُ أَوْ خَادِمُهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ رَاجِعٌ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُبَاشَرَةِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى قَيْدِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ صِحَّةُ إعَارَةِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ وَصِحَّةُ إعَارَةِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ الْمَنْذُورَيْنِ مَعَ خُرُوجِهِمَا عَنْ مِلْكِهِ، وَصِحَّةُ إعَارَةِ الْإِمَامِ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ أَرْضٍ وَغَيْرِهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَيْسَتْ عَارِيَّةً حَقِيقَةً بَلْ شَبِيهَةً بِهَا، وَبِأَنَّهُمْ أَرَادُوا هُنَا بِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ مَا يَعُمُّ الِاخْتِصَاصَ بِهَا وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا إلَّا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَعَلَى هَذَا لَا يُرَدُّ مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ إعَارَةِ الصُّوفِيِّ وَالْفَقِيهِ مَسْكَنَهُمَا بِالرِّبَاطِ وَالْمَدْرَسَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا اهـ.
أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ. وَهُوَ مَا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَلَى خِدْمَةٍ تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ. أَمَّا مَا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ لِحَقَارَتِهِ، فَالظَّاهِرُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ أَفْعَالُ السَّلَفِ، أَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالصَّبِيِّ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ لِخِدْمَةِ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قِصَّةُ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ.
وَلَوْ اسْتَعَارَ كِتَابًا يَقْرَأُ فِيهِ فَوَجَدَ فِيهِ خَطَأً لَا يُصْلِحُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا، فَيَجِبُ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ وَتَقْيِيدُهُ بِالْإِصْلَاحِ يُعْلِمُ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى نَقْصِ قِيمَتِهِ لِرَدَاءَةِ خَطٍّ وَنَحْوِهِ امْتَنَعَ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ لِمَالِيَّتِهِ لَا إصْلَاحٌ، أَمَّا الْكِتَابُ الْمَوْقُوفُ فَيُصْلَحُ جَزْمًا خُصُوصًا مَا كَانَ خَطَأً مَحْضًا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ،.
وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ شَرْطِ الْمُسْتَعِيرِ، وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ عَلَيْهِ بِعَقْدٍ، فَلَا تَصِحُّ لِمَنْ لَا عِبَارَةَ لَهُ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَبَهِيمَةٍ كَمَا لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ صِحَّةُ اسْتِعَارَةِ السَّفِيهِ إذْ الصَّحِيحُ صِحَّةُ قَبُولِهِ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ لَكِنْ كَيْفَ تَصِحُّ اسْتِعَارَتُهُ، مَعَ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ لَا جَرَمَ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute