للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُكْرَهُ إعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْعَبْدِ لِلْمَرْأَةِ وَهُوَ كَعَكْسِهِ بِلَا شَكٍّ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُعَارُ خُنْثَى امْتَنَعَ احْتِيَاطًا وَالْمَفْهُومُ مِنْ الِامْتِنَاعِ فِيهِ، وَفِي الْأَمَةِ الْفَسَادُ كَالْإِجَارَةِ لِلْمَنْفَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِالصِّحَّةِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ إجَارَةِ الْأَمَةِ الْمُشْتَهَاةِ وَالْوَصِيَّةِ بِمَنَافِعِهَا لِلْأَجْنَبِيِّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُوصَى لَهُ يَمْلِكَانِ الْمَنْفَعَةَ فَيُعِيرَانِ وَيُؤَجِّرَانِ لِمَنْ يَخْلُو بِهَا إنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِمَا الِانْتِفَاعُ بِأَنْفُسِهِمَا وَالْإِعَارَةُ إبَاحَةٌ لَهُ فَقَطْ فَإِذَا لَمْ يَسْتَبِحْ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ.

(وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ (إعَارَةً) وَإِجَارَةُ (عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ) ؛ لِأَنَّ فِيهَا امْتِهَانًا، وَقِيلَ تَحْرُمُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِيرَ وَيَسْتَأْجِرَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ عَلَا لِلْخِدْمَةِ صِيَانَةً لَهُمَا عَنْ الْإِذْلَالِ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِاسْتِعَارَتِهِ وَاسْتِئْجَارِهِ لِذَلِكَ تَوْقِيرَهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِمَا بَلْ هُمَا مُسْتَحَبَّانِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِعَارَةِ، وَأَمَّا إعَارَةُ وَإِجَارَةُ الْوَالِدِ نَفْسَهُ لِوَلَدِهِ فَلَيْسَتَا مَكْرُوهَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا إعَانَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ. قَالَ الْقَرَافِيُّ: لِأَنَّ نَفْسَ الْخِدْمَةِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ فِي جَانِبِ الْوَلَدِ لِمَكَانِ الْوِلَادَةِ فَلَمْ تَتَعَدَّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ إعَارَةِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُحْرِمِ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ يَجِبُ احْتِرَامُهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ شَامِلٌ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ، وَلَوْ قَالَ: أَعِرْنِي دَابَّةً فَقَالَ: اُدْخُلْ الدَّارَ فَخُذْ مَا أَرَدْتُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمُسْتَعَارِ عِنْدَ الْإِعَارَةِ، وَخَالَفَتْ الْإِجَارَةَ بِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، وَالْغَرَرُ لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا.

فَرْعٌ يَحْرُمُ إعَارَةُ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ لِلْحَرْبِيِّ وَالْمُصْحَفِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِلْكَافِرِ وَإِعَارَةُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ. فَإِنْ اسْتَعَارَهُ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ الْجَزَاءَ لَلَهُ تَعَالَى وَالْقِيمَةَ لِمَالِكِهِ، وَلَوْ اسْتَعَارَ حَلَالٌ مِنْ مُحْرِمٍ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ، وَعَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِعَارَةِ إذْ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ، وَيَجُوزُ إعَارَةُ فَحْلٍ لِلضِّرَابِ وَكَلْبٍ لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، وَلَوْ أَعَارَهُ شَاةً أَوْ دَفَعَهَا لَهُ وَمَلَّكَهُ دَرَّهَا وَنَسْلَهَا لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ آخِذُهَا الدَّرَّ وَالنَّسْلَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ، وَيَضْمَنُ الشَّاةَ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ الْفَاسِدَةِ، فَلَوْ أَبَاحَهُمَا لَهُ أَوْ اسْتَعَارَ مِنْهُ الشَّاةَ لَأَخَذَ ذَلِكَ أَوْ الشَّجَرَةَ لِيَأْخُذَ ثَمَرَهَا أَوْ الْبِئْرَ لِيَأْخُذَ مَاءَهَا أَوْ الْجَارِيَةَ لِيَأْخُذَ لَبَنَهَا جَازَ وَكَانَ إبَاحَةً لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالثَّمَرَةِ وَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ، وَعَلَى هَذَا قَدْ تَكُونُ الْعَارِيَّةُ لِاسْتِفَادَةِ عَيْنٍ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، فَالشَّرْطُ فِي الْعَارِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا اسْتِهْلَاكٌ لِلْمُعَارِ، لَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ. قَالَ الْأُشْمُونِيُّ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ لَيْسَ مُسْتَفَادًا بِالْعَارِيَّةِ بَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>