وَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ إلَّا إذَا قَالَ: قَارَضْتُك وَجَمِيعُ الرِّبْحِ لِي فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ مُحْتَاطًا لَا بِغَبْنٍ وَلَا نَسِيئَةٍ بِلَا إذْنٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَلَيْسَ كَمَا لَوْ فَسَدَ الْبَيْعُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ بِالْمِلْكِ، وَلَا مِلْكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، هَذَا إذَا قَارَضَهُ الْمَالِكُ بِمَالِهِ. أَمَّا إذَا قَارَضَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ فَلَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، (وَالرِّبْحُ) كُلُّهُ حِينَ الْفَسَادِ (لِلْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَعَلَيْهِ الْخُسْرَانُ أَيْضًا، (وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبِحَ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْمُسَمَّى، فَإِذَا فَاتَ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَهِيَ الْأُجْرَةُ، وَقِيلَ: لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ الصَّحِيحَ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ شَيْئًا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ.
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِالْفَسَادِ أَمْ لَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّهُ أُذِنَ أَنْ يَعْمَلَ بِعِوَضٍ، فَلَا يُحْبَطُ عَمَلُهُ (إلَّا إذَا قَالَ) الْمَالِكُ: (قَارَضْتُك وَجَمِيعُ الرِّبْحِ لِي) وَقَبِلَ الْعَامِلُ، (فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ مَجَّانًا غَيْرَ طَامِعٍ فِي شَيْءٍ. وَالثَّانِي: لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسَادِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. (وَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ مُحْتَاطًا) فِي تَصَرُّفِهِ كَالْوَكِيلِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ الْحَالَّ، وَ (لَا) يَتَصَرَّفُ (بِغَبْنٍ) فَاحِشٍ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ، (وَلَا نَسِيئَةٍ) فِي ذَلِكَ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمَالِكِ فِي الْغَبْنِ وَالنَّسِيئَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَبْنِ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ، وَفِي النَّسِيئَةِ رُبَّمَا هَلَكَ رَأْسُ الْمَالِ فَتَبْقَى الْعُهْدَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْمَالِكِ فَيَتَضَرَّرُ أَيْضًا، فَإِنْ أَذِنَ جَازَ، وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِ الِاكْتِفَاءُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَبِمَسْتُورٍ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، فَإِنْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ ضَمِنَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ مِنْ ثِقَةٍ مَلِيءٍ كَمَا مَرَّ فِي بَيْعِ الْمَحْجُورِ، وَفِي الثَّمَنِ الْحَالِّ لَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فِي الْبَيْعِ الْحَالِّ، وَيُحْبَسُ الْمَبِيعُ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ كَمَا مَرَّ. فَإِنْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ لِلْإِذْنِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِذْنِ بِالنَّسِيئَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ سَلَمًا؛ لِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ أَكْثَرُ غَرَرًا. نَعَمْ، إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الشِّرَاءِ سَلَمًا جَازَ، أَوْ فِي الْبَيْعِ سَلَمًا لَمْ يَجُزْ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِوُجُودِ الْحَظِّ غَالِبًا فِي الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ،.
وَالْأَوْجَهُ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - جَوَازُهُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ أَيْضًا لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ لَا يَرْجُو حُصُولَ رِبْحٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَقْتَضِيهِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا يَشْتَرِي بِغَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ الْبَيْعَ الْمُؤَجَّلَ دُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute