للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ تَصِحُّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَلِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ بِالْوِلَايَةِ.

وَمَوْرِدُهَا

ــ

[مغني المحتاج]

كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ لَمَّا شَابَهَتْ الْقِرَاضَ فِي الْعَمَلِ فِي شَيْءٍ بِبَعْضِ نَمَائِهِ وَجَهَالَةِ الْعِوَضِ، وَالْإِجَارَةَ فِي اللُّزُومِ وَالتَّأْقِيتِ جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ السَّقْيِ - بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْقَافِ - الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِيهَا غَالِبًا، لَا سِيَّمَا فِي الْحِجَازِ، فَإِنَّهُمْ يَسْقُونَ مِنْ الْآبَارِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ أَعْمَالِهَا وَأَكْثَرُهَا مُؤْنَةً. وَحَقِيقَتُهَا أَنْ يُعَامِلَ غَيْرَهُ عَلَى نَخْلٍ أَوْ شَجَرِ عِنَبٍ لِيَتَعَهَّدَهُ بِالسَّقْيِ وَالتَّرْبِيَةِ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ لَهُمَا. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ دَفَعَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَهَا وَأَرْضَهَا بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَشْجَارِ قَدْ لَا يُحْسِنُ تَعَهُّدَهَا، أَوْ لَا يَتَفَرَّغُ لَهُ، وَمَنْ يُحْسِنُ وَيَتَفَرَّغُ قَدْ لَا يَمْلِكُ الْأَشْجَارَ، فَيَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى الِاسْتِعْمَالِ وَهَذَا إلَى الْعَمَلِ، وَلَوْ اكْتَرَى الْمَالِكُ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ فِي الْحَالِ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثِّمَارِ، وَيَتَهَاوَنُ الْعَامِلُ، فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَجْوِيزِهَا.

وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ: عَاقِدَانِ، وَمَوْرِدُ الْعَمَلِ، وَالثِّمَارُ، وَالْعَمَلُ، وَالصِّيغَةُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: (تَصِحُّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ عَلَى الْمَالِ كَالْقِرَاضِ.

تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ: إنَّمَا تَصِحُّ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ الْحَصْرَ، (وَلِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) وَسَفِيهٍ (بِالْوِلَايَةِ) عَلَيْهِمْ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ لِلِاحْتِيَاجِ إلَى ذَلِكَ.

تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَحْصَرَ لِشُمُولِهِ مَا قَدَّرْته، وَهَذَا الشَّرْطُ يُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الْعَامِلِ، وَفِي مَعْنَى الْوَلِيِّ نَاظِرُ الْوَقْفِ، وَكَذَا الْإِمَامُ فِي بَسَاتِينِ بَيْتِ الْمَالِ، وَمَا لَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ، وَكَذَا بَسَاتِينُ الْغَائِبِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، قَالَ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِعَامِلِ الْقِرَاضِ الْمُسَاقَاةُ، فَإِنْ عَمَلَهُ فِي حَقِّ الْمَالِكِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْمُسَاقِي.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ مَوْرِدُ الْعَمَلِ فَقَالَ: (وَمَوْرِدُهَا) أَصَالَةً: أَيْ مَا تَرِدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>