وَلَا تَصِحُّ الْمُخَابَرَةُ وَهِيَ عَمَلُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَالْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ، وَلَا الْمُزَارَعَةُ، وَهِيَ: هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ، وَالْبَذْرَ مِنْ الْمَالِكِ.
فَلَوْ كَانَ بَيْنَ النَّخْلِ بَيَاضٌ صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ مَعَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْلِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْعَامِلِ وَعُسْرِ إفْرَادِ النَّخْلِ بِالسَّقْيِ،
ــ
[مغني المحتاج]
شَجَرَةً عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فِي الْقَرْعِ، مُعْجِزَةً لِسَيِّدِنَا يُونُسَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَسَلَّمَ - كَمَا كَانَتْ تَأْتِيهِ وَعْلَةٌ صَبَاحًا وَمَسَاءً يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا حَتَّى قَوِيَ. .
(وَلَا تَصِحُّ الْمُخَابَرَةُ، وَهِيَ عَمَلُ) الْعَامِلِ فِي (الْأَرْضِ) أَيْ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مِنْ وَظِيفَةِ الْعَامِلِ فَلَا يُفَسَّرُ الْعَقْدُ بِهِ (بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) كَنِصْفٍ (وَالْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ، وَلَا) تَصِحُّ (الْمُزَارَعَةُ وَهِيَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ) أَيْ الْمُخَابَرَةُ، (وَ) لَكِنَّ (الْبَذْرَ) فِيهَا يَكُونُ (مِنْ الْمَالِكِ) لِلنَّهْيِ عَنْ الْأُولَى فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَعَنْ الثَّانِيَةِ فِي مُسْلِمٍ، وَالْمَعْنَى فِي الْمَنْعِ فِيهِمَا أَنَّ تَحْصِيلَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مُمْكِنَةٌ بِالْإِجَارَةِ فَلَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَالْمَوَاشِي، بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ فَجُوِّزَتْ الْمُسَاقَاةُ لِلْحَاجَةِ، وَاخْتَارَ فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَهُمَا مُطْلَقًا تَبَعًا لِابْنِ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَتَأَوَّلُوا الْأَحَادِيثَ عَلَى مَا إذَا شُرِطَ لِوَاحِدٍ زَرْعُ قِطْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلِآخَرَ أُخْرَى، وَاخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا تَصِحُّ الْمُشَاطَرَةُ الْمُسَمَّاةُ أَيْضًا بِالْمُنَاصَبَةِ - بِمُوَحَّدَةٍ بَعْدَ صَادٍ مُهْمَلَةٍ - كَاَلَّتِي تُفْعَلُ بِالشَّامِ، وَهِيَ أَنْ يُسَلِّمَ أَرْضًا لِيَغْرِسَهَا مِنْ عِنْدِهِ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ الْحَاصِلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلْعَامِلِ، وَلِمَالِكِ الْأَرْضِ أُجْرَةُ مِثْلِهَا عَلَيْهِ، وَمَنْ زَارَعَ عَلَى أَرْضٍ بِجُزْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ فَعَطَّلَ بَعْضَ الْأَرْضِ: أَفْتَى الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا عَطَّلَ مِنْهَا، وَخَالَفَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ، وَقَالَ بِعَدَمِ اللُّزُومِ، وَهُوَ أَوْجَهُ.
(فَلَوْ كَانَ بَيْنَ النَّخْلِ) أَوْ الْعِنَبِ (بَيَاضٌ) وَهُوَ أَرْضٌ لَا زَرْعَ فِيهَا وَلَا شَجَرَ (صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ مَعَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْلِ) ، أَوْ الْعِنَبِ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ وَتَعَسُّرِ الْإِفْرَادِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَوَّلَ الْبَابِ.
تَنْبِيهٌ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ عَلَى ذِكْرِ النَّخْلِ، وَكَانَ الْأَوْلَى لَهُ ذِكْرَ الْعِنَبِ مَعَهُ كَمَا قَدَّرْته، فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّصْحِيحِ: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ (بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْعَامِلِ) فِيهِمَا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسَاقِيَ وَاحِدًا وَيُزَارِعَ آخَرَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ يُزِيلُ التَّبَعِيَّةَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِاتِّحَادِهِ اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ وَاحِدًا، بَلْ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْ سَاقَاهُ غَيْرَ مَنْ زَارَعَهُ، فَلَوْ سَاقَى جَمَاعَةً، وَزَارَعَهُمْ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ صَحَّ. (وَ) بِشَرْطِ (عُسْرِ إفْرَادِ النَّخْلِ بِالسَّقْيِ، وَ) عُسْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute