وَمَا قُصِدَ بِهِ حِفْظُ الْأَصْلِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ وَحَفْرِ نَهْرٍ جَدِيدٍ فَعَلَى الْمَالِكِ.
وَالْمُسَاقَاةُ لَازِمَةٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
لَكِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ عَبَّرَ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بِالصَّحِيحِ. وَالثَّانِي: لَيْسَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ خَارِجٌ عَنْ أَعْمَالِ الْمُسَاقَاةِ، وَكَذَا الْجِدَادُ وَالتَّجْفِيفُ؛ لِأَنَّهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الثَّمَرِ.
تَنْبِيهٌ قَيَّدَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْوُجُوبَ فِي التَّجْفِيفِ عَلَى الْعَامِلِ بِمَا إذَا اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِهِ أَوْ شَرَطَاهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَأَلْحَقَ ابْنُ الْمُقْرِي بِالتَّجْفِيفِ فِي ذَلِكَ الْحِفْظَ وَالْجِدَادَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِذَا لَزِمَ التَّجْفِيفُ وَجَبَ تَسْوِيَةُ الْجَرِينِ وَنَقْلُهُ إلَيْهِ وَتَقْلِيبُهَا فِي الشَّمْسِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ كَانَ لَهُ اسْتِئْجَارُ الْمَالِكِ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ لَوْ فَعَلَهُ الْعَامِلُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ كَمَا لَوْ أَمَرَ بِغَسْلِ ثَوْبِهِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ إذْنَهُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِهِ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ لَا كَأَمْرِهِ بِغَسْلِ ثَوْبِهِ، (وَ) كُلُّ (مَا قُصِدَ بِهِ حِفْظُ الْأَصْلِ) أَيْ أَصْلِ الثَّمَرِ وَهُوَ الشَّجَرُ (وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ) لِلْبُسْتَانِ، (وَحَفْرِ نَهْرٍ جَدِيدٍ) لَهُ وَإِصْلَاحِ مَا انْهَارَ مِنْ النَّهْرِ وَنَصْبِ الدُّولَابِ وَالْأَبْوَابِ (فَعَلَى الْمَالِكِ) لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا خَرَاجُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ وَضْعَ الشَّوْكِ عَلَى الْجِدَارِ وَالتَّرْقِيعَ الْيَسِيرَ الَّذِي يُفْتَقُ فِي الْجِدَارِ لَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَتَعْبِيرُهُ بِجَدِيدٍ قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَا انْهَارَ مِنْ النَّهْرِ يَكُونُ عَلَى الْعَامِلِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ عَلَى الْمَالِكِ، وَمَا نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عَنْ النَّصِّ مِنْ أَنَّ الثَّانِيَ عَلَى الْمَالِكِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ كَوْنِهِمَا عَلَى الْمَالِكِ أَوْ الْعَامِلِ.
(وَالْمُسَاقَاةُ لَازِمَةٌ) أَيْ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْإِجَارَةِ، بِجَامِعِ أَنَّ الْعَمَلَ فِيهِمَا فِي أَعْيَانٍ تَبْقَى بِحَالِهَا، بِخِلَافِ الْقِرَاضِ لَا تَبْقَى أَعْيَانُهُ بَعْدَ الْعَمَلِ فَأَشْبَهَ الْوَكَالَةَ. فَإِنْ قِيلَ: الْقَوْلُ بِلُزُومِهَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَرَدَتْ عَلَى الذِّمَّةِ أَشْبَهَتْ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ دَيْنٌ عَلَى الْعَامِلِ، وَالثَّمَرَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَيْنًا إلَّا إنَّهَا مَعْدُومَةٌ فَهِيَ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ، وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى لُزُومِهَا، وَكُنْت أَوَدُّ لَوْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِعَدَمِ لُزُومِهَا حَتَّى كُنْت أُوَافِقُهُ. .
أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ قَدْ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ، وَهَذِهِ أَوْلَى لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَعَنْ الثَّانِي بِمَا مَرَّ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْإِجَارَةِ، وَيَمْلِكُ الْعَامِلُ فِيهَا حِصَّتَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute