وَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ حَرِيمٌ مَعْمُورٌ، وَهُوَ مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِتَمَامِ الِانْتِفَاعِ، فَحَرِيمُ الْقَرْيَةِ النَّادِي، وَمُرْتَكَضُ الْخَيْلِ، وَمُنَاخُ الْإِبِلِ، وَمَطْرَحُ الرَّمَادِ وَنَحْوُهَا، وَحَرِيمُ الْبِئْرِ فِي الْمَوَاتِ مَوْقِفُ النَّازِحِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَالْأَرْضُ الْعَامِرَةُ إذَا لَبِسَهَا رَمْلٌ أَوْ غَرَّقَهَا مَاءٌ فَصَارَتْ بَحْرًا ثُمَّ زَالَ الرَّمْلُ أَوْ الْمَاءُ؛ فَهِيَ لِمَالِكِهَا إنْ عُرِفَ، وَمَا ظَهَرَ مِنْ بَاطِنِهَا يَكُونُ لَهُ، وَلَوْ لَبِسَهَا الْوَادِي بِتُرَابٍ آخَرَ، فَهِيَ بِذَلِكَ التُّرَابِ لَهُ، كَمَا فِي الْكَافِي، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ إسْلَامِيَّةً فَمَالٌ ضَائِعٌ، أَوْ جَاهِلِيَّةً فَتُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ عَلَى مَا مَرَّ.
وَأَمَّا الْجَزَائِرُ الَّتِي تُرَبِّيهَا الْأَنْهَارُ: فَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا مِنْ أَرَاضِي بِلَادٍ - كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي نَهْرِ النِّيلِ - فَحُكْمُهَا حُكْمُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ، وَإِلَّا بِأَنْ رُبِّيَتْ مِنْ أَرْضِ النَّهْرِ وَلَيْسَتْ حَرِيمًا لِمَعْمُورٍ فَهِيَ مَوَاتٌ، وَإِنْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي ذَلِكَ فَأَمْرُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ. هَذَا مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَلَمْ أَرَ مَنْ حَقَّقَ هَذَا الْمَحَلَّ.
(وَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ حَرِيمُ مَعْمُورٍ) ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْمَعْمُورِ مُسْتَحِقٌّ لِمَرَافِقِهِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ حَرِيمًا لِتَحْرِيمِ التَّصَرُّفِ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ.
تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْحَرِيمَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَهُوَ وَجْهٌ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، لَكِنَّهُ لَا يُبَاعُ وَحْدَهُ كَمَا قَالَهُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ، كَمَا لَا يُبَاعُ شِرْبُ الْأَرْضِ وَحْدَهُ. (وَهُوَ) أَيْ الْحَرِيمُ (مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِتَمَامِ الِانْتِفَاعِ) بِالْمَعْمُورِ وَإِنْ حَصَلَ أَصْلُ الِانْتِفَاعِ بِدُونِهِ.
تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ بَيَانِ الْحَرِيمِ عَلَى حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوُّرِهِ (فَحَرِيمُ الْقَرْيَةِ) الْمُحْيَاةِ (النَّادِي) وَهُوَ الْمَجْلِسُ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ يَنْدُونَ: أَيْ يَتَحَدَّثُونَ، وَلَا يُسَمَّى الْمَجْلِسُ نَادِيًا إلَّا وَالْقَوْمُ فِيهِ، وَيُطْلَقُ النَّادِي عَلَى أَهْلِ الْمَجْلِسِ أَيْضًا، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ مُجْتَمَعُ النَّادِي، وَهِيَ أَوْلَى. نَعَمْ إنْ قُدِّرَ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ مُجْتَمَعُ؛ سَاوَى تَعْبِيرَ الْمُحَرَّرِ (وَمُرْتَكَضُ الْخَيْلِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَهُوَ مَكَانُ سُوقِهَا. أَيْ إذَا كَانُوا خَيَّالَةً كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ (وَمُنَاخُ الْإِبِلِ) بِضَمِّ الْمِيمِ بِخَطِّهِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَاخُ فِيهِ إذَا كَانُوا أَهْلَ إبِلٍ عَلَى قِيَاسِ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ (وَمَطْرَحُ) السِّرْجِينِ وَالْقُمَامَاتِ، وَ (الرَّمَادِ وَنَحْوُهَا) كَمَرَاحِ غَنَمٍ وَسَيْلِ مَاءٍ وَمَلْعَبِ صِبْيَانٍ. وَكَذَا الْمَرْعَى وَالْمُحْتَطَبُ الْمُسْتَقِلَّانِ الْقَرِيبَانِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَكَذَا الْبَعِيدَانِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ - إذَا لَمْ يَفْحُشْ - بُعْدُهُمَا عَنْ الْقَرْيَةِ، وَكَانَ بِحَيْثُ يَعُدَّانِ مِنْ مَرَافِقِ الْقَرْيَةِ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَقِلَّا وَلَكِنْ كَانَ يَرْعَى وَيَحْتَطِبُ مِنْهُمَا عِنْدَ خَوْفِ الْبُعْدِ فَلَيْسَا بِحَرِيمٍ (وَحَرِيمُ الْبِئْرِ) الْمَحْفُورَةِ (فِي الْمَوَاتِ مَوْقِفُ النَّازِحِ) مِنْهُمَا وَهُوَ الْقَائِمُ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ لِيَسْتَقِيَ. أَمَّا الْمَحْفُورَةُ فِي مِلْكِهِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعُرْفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute