وَحَبَسَ كُلُّ وَاحِدٍ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ أُفْرِدَ كُلُّ طَرَفٍ بِسَقْيٍ
ــ
[مغني المحتاج]
كَمَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ (وَحَبَسَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ) " لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِذَلِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَيْسَ التَّقْدِيرُ بِالْكَعْبَيْنِ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ تَخْتَلِفُ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ قَوِيٌّ جِدًّا، وَالْحَدِيثُ وَاقِعَةُ حَالٍ يَحْتَمِلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا لِمَا اقْتَضَاهُ حَالُهَا، وَلَوْلَا هَيْبَةُ الْحَدِيثِ وَخَوْفِي سُرْعَةَ تَأْوِيلِهِ وَحَمْلِهِ لَكُنْتُ أَخْتَارُهُ، لَكِنْ أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ حَتَّى يَنْشَرِحَ صَدْرِي، وَيَقْذِفَ اللَّهُ فِيهِ نُورَ الْمُرَادِ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالْأَعْلَى الْمُحْيِي قَبْلَ الثَّانِي وَهَكَذَا لَا الْأَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ، وَعَبَّرُوا بِذَلِكَ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَحْيَا بُقْعَةً يَحْرِصُ عَلَى قُرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ مَا أَمْكَنَ لِمَا فِيهِ مِنْ سُهُولَةِ السَّقْيِ وَخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ وَقُرْبِ عُرُوقِ الْغِرَاسِ مِنْ الْمَاءِ، وَمِنْ هُنَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ إنْ أَحْيَوْا دُفْعَةً أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ الْإِقْرَاعُ، وَخَرَجَ بِضَاقَ مَا إذَا اتَّسَعَ: بِأَنْ كَانَ يَكْفِي جَمِيعَهُمْ فَيُرْسِلُ كُلٌّ مِنْهُمْ الْمَاءَ فِي سَاقِيَتِهِ إلَى أَرْضِهِ (فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ) الْوَاحِدَةِ (ارْتِفَاعٌ) لِطَرَفٍ مِنْهَا (وَانْخِفَاضٌ) لِآخَرَ مِنْهَا (أُفْرِدَ كُلُّ طَرَفٍ بِسَقْيٍ) لِأَنَّهُمَا لَوْ سَقَيَا مَعًا لَزَادَ الْمَاءُ فِي الْمُنْخَفِضَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ، وَطَرِيقُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنْ يَسْقِيَ الْمُنْخَفَضَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَسُدَّهُ ثُمَّ يَسْقِيَ الْمُرْتَفَعَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْبُدَاءَةُ بِالْأَسْفَلِ، بَلْ لَوْ عُكِسَ جَازَ، وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْمُسْتَغَلَّةِ عَلَى الْكَعْبَيْنِ، وَصَرَّحَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ احْتَاجَ الْأَعْلَى إلَى السَّقْيِ مَرَّةً أُخْرَى قَبْلَ وُصُولِهِ لِلْأَسْفَلِ قُدِّمَ.
وَلَوْ تَنَازَعَا مُتَحَاذِيَانِ بِأَنْ تَحَاذَتْ أَرْضُهُمَا أَوْ أَرَادَا شَقَّ النَّهْرِ مِنْ مَوْضِعَيْنِ مُتَحَاذِيَيْنِ تَعَيَّنَتْ الْقُرْعَةُ؛ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا أَحْيَيَا دُفْعَةً أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَعْلَى فِيمَا إذَا أَحْيَوْا مَعًا أَوْ جُهِلَ الْأَسْبَقُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قُدِّمَ هُنَاكَ لِقُرْبِهِ مِنْ النَّهْرِ، وَلَا مَزِيَّةَ هُنَا مَعَ أَنَّهُ قِيلَ بِالْإِقْرَاعِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَرَادَ شَخْصٌ إحْيَاءَ أَرْضٍ مَوَاتٍ وَسَقْيَهَا مِنْ هَذَا النَّهْرِ، فَإِنْ ضَيَّقَ عَلَى السَّابِقِ مُنِعَ مِنْ الْإِحْيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا أَرْضَهُمْ بِمَرَافِقِهَا وَالْمَاءُ مِنْ أَعْظَمِ مَرَافِقِهَا وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ الْمَنْعُ بِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى رَأْسِ النَّهْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute