للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَرْطُ الْوَاقِفِ صِحَّةُ عِبَارَتِهِ وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ.

ــ

[مغني المحتاج]

بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلَعَلَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى كَمَالِ الْقَبُولِ. وَأَمَّا أَصْلُهُ فَيَكْفِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَإِنَّ غَيْرَهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ لَيْسَتْ جَارِيَةً، بَلْ يَمْلِكُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَعْيَانَهَا وَمَنَافِعَهَا نَاجِزًا. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ وَإِنْ شَمِلَهَا الْحَدِيثُ فَهِيَ نَادِرَةٌ، فَحَمْلُ الصَّدَقَةِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْوَقْفِ أَوْلَى، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنِي فِيهَا؟ فَقَالَ: إنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا، فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ عَلَى أَنْ لَا يُبَاعَ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبَ وَلَا يُوَرَّثَ» وَهُوَ أَوَّلُ وَقْفٍ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ مَقْدِرَةٌ إلَّا وَقَفَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْقَدِيمِ: بَلَغَنِي أَنَّ ثَمَانِينَ صَحَابِيًّا مِنْ الْأَنْصَارِ تَصَدَّقُوا بِصَدَقَاتٍ مُحَرَّمَاتٍ، وَالشَّافِعِيُّ يُسَمِّي الْأَوْقَافَ الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: وَاقِفٌ وَمَوْقُوفٌ وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ.

وَقَدْ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (شَرْطُ الْوَاقِفِ صِحَّةُ عِبَارَتِهِ) دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْكَافِرُ، فَيَصِحُّ مِنْهُ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ قُرْبَةً اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِنَا، وَإِنْ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: لَا يَصِحُّ مِنْهُ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ، وَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُمَا، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ (وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ) الْمُبَعَّضُ وَالْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَيُعْتَبَرُ وَقْفُهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَخَرَجَ الْمُكَاتَبُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ وَلَوْ بِمُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ، وَهَذَا الشَّرْطُ يُغْنِي عَنْ الْأَوَّلِ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّةُ الْعِبَارَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْوَقْفِ مَعْلُومًا لِلْوَاقِفِ فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ وَقْفِ مَا لَمْ يَرَهُ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ وَقَالَ: لَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَآهُ، وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ وَقْفُ الْأَعْمَى، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِيمَا عَلِمْت.

تَنْبِيهٌ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ فِي الْحَيَاةِ فَإِنَّ السَّفِيهَ أَهْلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>