للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ.

وَلَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا، أَوْ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى

ــ

[مغني المحتاج]

مَا ذَكَرَ قَوْلَهُ (بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ) أَوْ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْجَمِيعِ فَيُشَارِكُ الْبَطْنُ الْأَسْفَلُ الْبَطْنَ الْأَعْلَى كَقَوْلِهِ: مَا تَنَاسَلُوا، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْعَبَّادِيُّ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ بَعْدُ تَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: ٣٠] أَيْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ: بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ لِلتَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ قَالَ: وَعَلَيْهِ هُوَ لِلتَّرْتِيبِ بَيْنَ الْبَطْنَيْنِ فَقَطْ فَيَنْتَقِلُ بِانْقِرَاضِ الثَّانِي لِمَصْرِفٍ آخَرَ إنْ ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ وَإِلَّا فَمُنْقَطِعُ الْآخِرِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ: لَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّهُ نَقَلَ التَّرْتِيبَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ، وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ نَفْسِهِ وَعَدَّ جَمَاعَةً مِنْ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِالتَّرْتِيبِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ اقْتِضَاءِ التَّسْوِيَةِ بَاطِلٌ مِنْ جِهَةِ الْبَحْثِ أَيْضًا، فَإِنَّ لَفْظَةَ بَعْدَ فِي اقْتِضَاءِ التَّرْتِيبِ أَصْرَحُ مِنْ ثُمَّ وَالْفَاءِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ جَزَمَا فِيهِمَا بِاقْتِضَاءِ التَّرْتِيبِ فَمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ بَعْدَ أَصْرَحُ مِنْ ثُمَّ وَالْفَاءِ فِي التَّرْتِيبِ خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ} [القلم: ١٠] {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: ١١] {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} [القلم: ١٢] {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: ١٣] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَيْ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَوْصَافِهِ زَنِيمٍ، وَاسْتَدَلَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إظْهَارُ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَئِمَّةُ الْهُدَى وَبِهِمْ نَقْتَدِي، فَلَا يُظَنُّ فِيهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحَا فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَعْدَهَا طَلْقَةٌ أَنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى وَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ، وَلَوْ كَانَتْ بَعْدَ بِمَعْنَى مَعَ وَقَعَ طَلْقَتَانِ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلْقَةً مَعَهَا طَلْقَةٌ.

أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي التَّعْمِيمِ وَهُوَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي إلَخْ وَتَعْقِيبُهُ بِالْبَعْدِيَّةِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي التَّرْتِيبِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بِهِ إدْخَالُ سَائِرِ الْبُطُونِ حَتَّى لَا يَصِيرَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ.

تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ بَطْنًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ بِمَعْنَى مُرَتَّبِينَ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ مُبْتَدَأً وَمُسَوِّغُهُ وَصْفٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مِنْهُمْ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَائِفَةٌ} [آل عمران: ١٥٤] أَيْ مِنْهُمْ، وَانْتِصَابُ بَعْدَ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ كَائِنًا بَعْدَ بَطْنٍ.

(وَلَوْ قَالَ) : وَقَفْت كَذَا (عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا، أَوْ) قَالَ: وَقَفْت كَذَا (عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى)

<<  <  ج: ص:  >  >>