للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَشَرْطُ الْهِبَةِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ لَفْظًا.

ــ

[مغني المحتاج]

هَذَا الْبَيْتَ مَثَلًا صَحَّ وَبَاعَهُ وَنَقَلَ ثَمَنَهُ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِيهِ بِتَخْصِيصِهِ بِالْإِهْدَاءِ إلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ وَتَعْمِيمِهِ فِي الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ.

وَأَمَّا تَعْرِيفُهَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي، وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. فَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: عَاقِدٌ وَصِيغَةُ وَمَوْهُوبٌ، وَقَدْ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ بَعْضِ ذَلِكَ فَقَالَ (وَشَرْطُ الْهِبَةِ) لِتَتَحَقَّقَ عَاقِدَانِ كَالْبَيْعِ، وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ، وَلَهُمَا شُرُوطٌ، فَيُشْتَرَطُ فِي الْوَاهِبِ الْمِلْكُ، وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، فَلَا تَصِحُّ مِنْ وَلِيٍّ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ وَلَا مِنْ مُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ لِمَا يُوهَبُ لَهُ مِنْ تَكْلِيفٍ وَغَيْرِهِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ يَقْبَلُ لَهُ وَلِيُّهُ فَلَا تَصِحُّ لِحَمْلٍ وَلَا لِبَهِيمَةٍ وَلَا لِرَقِيقِ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَطْلَقَ الْهِبَةَ لَهُ فَهِيَ لِسَيِّدِهِ، وَ (إيجَابٌ وَقَبُولٌ لَفْظًا) مِنْ النَّاطِقِ مَعَ التَّوَاصُلِ الْمُعْتَادِ كَالْبَيْعِ. وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي، وَمِنْ صَرِيحِ الْإِيجَابِ وَهَبْتُك وَمَنَحْتُك وَمَلَّكْتُك بِلَا ثَمَنٍ، وَمِنْ صَرِيحِ الْقَبُولِ قَبِلْت وَرَضِيت، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اعْتِبَارِهِمَا مَسَائِلُ: مِنْهَا الْهِبَةُ الضِّمْنِيَّةُ كَأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، فَفَعَلَ فَيَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ هِبَةً وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ لِلْقَبُولِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ نَوْبَتَهَا مِنْ ضَرَّتِهَا لَمْ يُحْتَجْ لِقَبُولِهَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ. وَمِنْهَا مَا يَخْلَعُهُ السُّلْطَانُ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُولُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ. وَمِنْهَا مَا لَوْ اشْتَرَى حُلِيًّا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَزَيَّنَهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ تَمْلِيكًا لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِزَوْجَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مِلْكًا لَهَا كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى الصَّغِيرِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ كَذَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُلَقَّنِ، وَيَرُدُّ هَذَا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنْ وَهَبَ لِلصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ وَلِيٌّ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ، وَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا تَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِدَرَاهِمِك لَحْمًا فَاشْتَرَاهُ وَصَحَّحْنَاهُ لِلسَّائِلِ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ تَكُونُ هِبَةً لَا قَرْضًا، وَيَقْبَلُ الْهِبَةَ لِلصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْقَبُولِ الْوَلِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ انْعَزَلَ الْوَصِيُّ وَمِثْلُهُ الْقَيِّمُ وَأَثِمَا لِتَرْكِهِمَا الْأَحَظَّ، بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِمَا وَيَقْبَلُهَا السَّفِيهُ نَفْسُهُ وَكَذَا الرَّقِيقُ لَا سَيِّدُهُ وَإِنْ وَقَعَتْ لَهُ. أَمَّا الْأَخْرَسُ فَيَكْفِيهِ الْإِشَارَةُ الْمُفْهِمَةُ، وَفِي الذَّخَائِرِ أَنَّ انْعِقَادَ الْهِبَةِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَبِالِاسْتِيجَابِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ: أَيْ فَتَصِحُّ وَمِنْ الْكِنَايَةِ الْكِتَابَةُ، وَاخْتَارَ فِي الْمَجْمُوعِ صِحَّتَهَا بِالْمُعَاطَاةِ وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ كِنَايَةٌ فِي الْهِبَةِ، فَإِنْ قَالَ الْوَاهِبُ: لَمْ أُرِدْهَا صَدَقَ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْعَارِيَّةِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي الْهِبَةِ كَالْبَيْعِ، وَهَلْ يَصِحُّ قَبُولُ بَعْضِ الْمَوْهُوبِ أَوْ قَبُولُ أَحَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>