وَعِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ يُعَرِّفُهَا
فِي الْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا
ــ
[مغني المحتاج]
ذَرْعٍ أَوْ عَدٍّ (وَعِفَاصَهَا) بِكَسْرِ الْعَيْنِ بِخَطِّهِ، وَهُوَ الْوِعَاءُ مِنْ جِلْدٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَصْلُهُ الْجِلْدُ الَّذِي يَلْبِسُ رَأْسَ الْقَارُورَةِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْوِعَاءِ تَوَسُّعًا (وَوِكَاءَهَا) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ بِخَطِّهِ، وَهُوَ مَا يُرْبَطُ بِهِ مِنْ خَيْطٍ أَوْ غَيْرِهِ لِخَبَرِ زَيْدٍ السَّابِقِ، وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ وَلْيَعْرِفَ صِدْقَ وَاصِفِهَا، وَهَذِهِ الْمَعْرِفَةُ تَكُونُ عَقِبَ الْأَخْذِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، وَهِيَ سَنَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ، وَفِي الْكَافِي أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَيَنْدُبُ كَتْبُ الْأَوْصَافِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَنَّهُ الْتَقَطَهَا فِي وَقْتِ كَذَا (ثُمَّ يُعَرِّفُهَا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ الْمُشَدَّدِ مِنْ التَّعْرِيفِ، وَهَذَا وَاجِبٌ إنْ قَصَدَ التَّمَلُّكَ قَطْعًا، وَإِلَّا فَعَلَى مَا سَبَقَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّعْرِيفِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ تَبَعًا لِلْجِيلِيِّ مَا لَوْ كَانَ السُّلْطَانُ ظَالِمًا بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ إذَا عَرَّفَهَا أَخَذَهَا، فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيفُ حِينَئِذٍ، بَلْ تَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ بَعْدَ السَّنَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُ بَعْدَهَا.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: ثُمَّ يُعَرِّفُهَا أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِالتَّعْرِيفِ عَقِبَ الِالْتِقَاطِ لَا تَجِبُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَحَلُّ جَوَازِ التَّأْخِيرِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّ الْمُلْتَقِطِ أَنَّهُ يُفَوِّتُ مَعْرِفَةَ الْمَالِكِ بِالتَّأْخِيرِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ وَجَبَ الْبِدَارُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِذَا لَمْ يُوجِبْ الْمُبَادَرَةَ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنْ يُؤَرِّخَ وُجْدَانَ اللُّقَطَةِ فِي تَعْرِيفِهِ، وَيُسْنِدُهُ إلَى وَقْتِهِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ فِي مُعَاوَضَةِ مَا جَرَى مِنْ التَّأْخِيرِ الْمَنْسِيِّ. الثَّانِي: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَعْرِيفُهَا بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَهُ ذَلِكَ بِمَأْذُونِهِ أَيْضًا وَلَكِنْ لَا يُسَلِّمُهَا لَهُ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُعَرِّفِ عَاقِلًا غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالْخَلَاعَةِ وَالْمُجُونِ، وَهُوَ أَنْ لَا يُبَالِيَ الْإِنْسَانُ بِمَا صَنَعَ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ إذَا حَصَلَ الْوُثُوقُ بِقَوْلِهِ.
ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَكَانِ التَّعْرِيفِ بِقَوْلِهِ (فِي الْأَسْوَاقِ) عِنْدَ قِيَامِهَا فِي بَلَدِ الِالْتِقَاطِ (وَ) فِي (أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ) عِنْدَ خُرُوجِ النَّاسِ (وَنَحْوِهَا) مِنْ الْمَجَامِعِ وَالْمَحَافِلِ وَمَحَالِّ الرِّحَالِ وَمُنَاخِ الْأَسْفَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى وُجُودِ صَاحِبِهَا. وَيَجِبُ التَّعْرِيفُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ وَلِيُكْثِرَ مِنْهُ فِيهِ، لِأَنَّ طَلَبَ الشَّيْءِ فِي مَكَانِهِ أَكْثَرُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ الْمَسَاجِدُ فَيُكْرَهُ التَّعْرِيفُ فِيهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ التَّحْرِيمَ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَلَا يُكْرَهُ التَّعْرِيفُ فِيهِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ؛ وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute