للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَقِيرَ لَا يُعَرَّفُ سَنَةً بَلْ زَمَنًا يُظَنُّ أَنَّ فَاقِدَهُ يُعْرِضُ عَنْهُ غَالِبًا.

ــ

[مغني المحتاج]

وَقِيلَ إنْ ظَهَرَ الْمَالِكُ فَعَلَيْهِ لَكَانَ أَلْخَصَ اهـ.

وَكَالتَّمَلُّكِ قَصْدُ الِاخْتِصَاصِ، وَقَصْدُ الِالْتِقَاطِ لِلْخِيَانَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ فِي مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ. أَمَّا لَوْ الْتَقَطَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ صِبًى أَوْ جُنُونٍ، فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ إخْرَاجُ مُؤْنَةِ التَّعْرِيفِ مِنْ مَالِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، بَلْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ، فَيَبِيعُ جُزْءًا مِنْ اللُّقَطَةِ لِمُؤْنَةِ التَّعْرِيفِ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ.

(وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَقِيرَ) أَيْ الْقَلِيلَ الْمُتَمَوَّلَ، وَلَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ فِي الْأَصَحِّ، بَلْ هُوَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ فَاقِدَهُ لَا يُكْثِرُ أَسَفَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَطُولُ طَلَبُهُ لَهُ غَالِبًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حَقَارَتِهِ وَقُدِّرَ بِالدِّينَارِ وَقُدِّرَ بِالدِّرْهَمِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - " لَا بَأْسَ بِمَا دُونَ الدِّرْهَمِ أَنْ يُسْتَنْفَعَ بِهِ " وَقُدِّرَ بِمَا لَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ (لَا يُعَرَّفُ سَنَةً) ؛ لِأَنَّ فَاقِدَهُ لَا يَدُومُ عَلَى طَلَبِهِ سَنَةً بِخِلَافِ الْخَطِيرِ. وَالثَّانِي: يُعَرَّفُ سَنَةً لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّهَا جِهَةٌ مِنْ جِهَاتِ التَّمَلُّكِ، فَاسْتَوَى فِيهَا الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ. قَالَ: وَيُشْكِلُ عَلَى تَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَقِيرِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ: إنَّ الْأَكْثَرَ قَالُوا: إنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْكَلْبِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ يُقْتَنَى لَهَا يُعَرَّفُ سَنَةً ثُمَّ يَخْتَصُّ بِهِ اهـ.

وَهَذَا لَيْسَ بِمُشْكِلٍ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ وَنَحْوَهُ مِنْ الِاخْتِصَاصَاتِ يَكْثُرُ عَلَيْهِ الْأَسَفُ، فَإِنْ فُرِضَ قِلَّتُهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (بَلْ) الْأَصَحُّ يُعَرِّفُهُ (زَمَنًا يُظَنُّ أَنَّ فَاقِدَهُ يُعْرِضُ عَنْهُ غَالِبًا) وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْمَالِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَدَانِقُ الْفِضَّةِ يُعَرَّفُ فِي الْحَالِ، وَدَانِقُ الذَّهَبِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً.

تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ مُدَّةً يُظَنُّ فِي مِثْلِهَا طَلَبُ فَاقِدِهَا، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ إعْرَاضُهُ سَقَطَ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ ظَاهِرَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: لَا يُعْرِضُ أَوْ يَقُولَ إلَى زَمَنٍ.

أُجِيبَ بِأَنَّ لَا تُقَدَّرُ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ كَمَا قُدِّرَتْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: ١٨٤] كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَبِأَنَّ زَمَنًا مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى سَنَةٍ: أَيْ لَا يُعَرِّفُهَا إلَى سَنَةٍ بَلْ إلَى زَمَنٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ بَلْ لَا تَعْطِفُ الْجُمَلَ، بَلْ هِيَ مَعَهَا حَرْفُ ابْتِدَاءٍ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: بَلْ يُخْلَطَانِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَكْفِي مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ حَدِّ الْكِتْمَانِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ تَعْرِيفُ الْقَلِيلِ أَصْلًا. أَمَّا مَا لَا يُتَمَوَّلُ: كَحَبَّةِ بُرٍّ وَزَبِيبَةٍ لَمْ يَجِبْ تَعْرِيفُهُ، وَيَسْتَبِدُّ بِهِ وَاجِدُهُ، فَقَدْ قِيلَ: إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ فِي الطَّوَافِ زَبِيبَةً، فَقَالَ: إنَّ مِنْ الْوَرَعِ مَا يَمْقُتُهُ اللَّهُ «، وَمَرَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: لَوْلَا أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا» وَلَكِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>