فَإِنْ احْتَاجَ إلَى تَرَدُّدٍ تَرَدَّدَ قَدْرَ نَظَرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَيَمَّمَ فَلَوْ مَكَثَ مَوْضِعَهُ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الطَّلَبِ لِمَا يَطْرَأُ.
فَلَوْ عَلِمَ مَاءً يَصِلُهُ الْمُسَافِرُ لِحَاجَتِهِ وَجَبَ قَصْدُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ
ــ
[مغني المحتاج]
وَيَخُصُّ مَوْضِعَ الْخُضْرَةِ وَاجْتِمَاعَ الطُّيُورِ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ، وَقِيلَ يَمْشِي قَدْرَ غَلْوَةِ سَهْمٍ.
(فَإِنْ احْتَاجَ إلَى تَرَدُّدٍ) بِأَنْ كَانَ ثَمَّ وَهْدَةٌ أَوْ جَبَلٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (تَرَدَّدَ) إنْ أَمِنَ نَفْسًا وَمَالًا وَعُضْوًا وَاخْتِصَاصًا مُحْتَرَمَاتٍ وَانْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَةٍ وَلَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ عَنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ إلَى حَدٍّ تُسْمَعُ اسْتِغَاثَتُهُ بِأَنْ يَسْمَعَهَا رُفْقَتُهُ لَوْ اسْتَغَاثَ بِهِمْ مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ تَشَاغُلِهِمْ بِأَشْغَالِهِمْ وَتَفَاوُضِهِمْ فِي أَقْوَالِهِمْ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ (قَدْرَ نَظَرِهِ) أَيْ فِي الْمُسْتَوَى، وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِغَلْوَةِ سَهْمٍ: أَيْ غَايَةَ رَمْيِهِ، وَهَذَا يُسَمَّى حَدَّ الْغَوْثِ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَدُورَ الْحَدُّ الْمَذْكُورُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ ضَرَرًا عَلَيْهِ مِنْ إتْيَانِ الْمَاءِ فِي الْمَوْضِعِ الْبَعِيدِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَصْعَدَ جَبَلًا أَوْ نَحْوَهُ بِقُرْبِهِ ثُمَّ يَنْظُرَ حَوَالَيْهِ اهـ.
وَيُقَالُ: حَوْلَيْهِ بِلَا أَلِفٍ وَحَوْلَ وَحَوَالَهُ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِالتَّرَدُّدِ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ سَوَاءٌ أَكَثُرَ الْمَالُ أَمْ قَلَّ أَوْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُهَا لَمْ يَجِبْ التَّرَدُّدُ لِلضَّرَرِ وَلِلْوَحْشَةِ فِي انْقِطَاعِهِ وَإِخْرَاجِ بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا بِخِلَافِ وَاجِدِ الْمَاءِ لَوْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ لَوْ تَوَضَّأَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَلَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَاقِدٍ لِلْمَاءِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) مَاءً بَعْدَ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ (تَيَمَّمَ) لِحُصُولِ الْفَقْدِ وَلَا يَضُرُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ عَنْ الطَّلَبِ إذَا كَانَا فِي الْوَقْتِ وَلَمْ يَحْدُثْ سَبَبٌ يُحْتَمَلُ مَعَهُ وُجُودُ الْمَاءِ (فَلَوْ) طَلَبَ كَمَا مَرَّ وَ (مَكَثَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا (مَوْضِعَهُ) وَلَمْ يَتَيَقَّنْ الْعَدَمَ وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يُحْتَمَلُ مَعَهُ وُجُودُ مَاءٍ (فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الطَّلَبِ لِمَا يَطْرَأُ) مِمَّا يُحْوِجُ إلَى تَيَمُّمٍ مُسْتَأْنَفٍ كَحَدَثٍ وَفَرِيضَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَى بِئْرٍ خَفِيَتْ عَلَيْهِ أَوْ يَجِدُ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَيْهِ وَقِيَاسًا عَلَى إعَادَةِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ، وَلَكِنْ يَكُونُ طَلَبُهُ هَذَا أَخَفَّ مِنْ الْأَوَّلِ. وَالثَّانِي لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَاءٌ لَظَفِرَ بِهِ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ، فَلَوْ تَيَقَّنَ الْعَدَمَ فِي مَوْضِعٍ بِالطَّلَبِ وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يُحْتَمَلُ مَعَهُ وُجُودُ مَاءٍ لَمْ يَجِبْ الطَّلَبُ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى مَكَان آخَرَ أَوْ حَدَثَ مَا يُحْتَمَلُ مَعَهُ وُجُودُ مَاءٍ كَطُلُوعِ رَكْبٍ وَإِطْبَاقِ غَمَامَةٍ وَجَبَ الطَّلَبُ قَطْعًا، وَقَوْلُهُ فَلَوْ مَكَثَ مَوْضِعَهُ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ
(فَلَوْ عَلِمَ) مُسَافِرٌ بِمَحَلٍّ (مَاءً) فِي حَدِّ الْقُرْبِ وَهُوَ مَا (يَصِلُهُ الْمُسَافِرُ لِحَاجَتِهِ) كَاحْتِطَابٍ وَاحْتِشَاشٍ مَعَ اعْتِبَارِ الْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُعُورَةِ وَالسُّهُولَةِ وَالصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَهَذَا فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ الَّذِي يَقْصِدُهُ عِنْدَ التَّوَهُّمِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: لَعَلَّهُ يَقْرُبُ مِنْ نِصْفِ فَرْسَخٍ (وَجَبَ قَصْدُهُ) أَيْ طَلَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَسْعَى إلَيْهِ لِأَشْغَالِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلِلْعِبَادَةِ أَوْلَى هَذَا (إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرَ نَفْسٍ) أَوْ عُضْوٍ (أَوْ مَالٍ) لَا يَجِبُ بَذْلُهُ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً أَوْ انْقِطَاعَهُ عَنْ رُفْقَةٍ يَتَضَرَّرُ بِتَخَلُّفِهِ عَنْهُمْ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْوَحْشَةِ أَوْ خُرُوجِ الْوَقْتِ (فَإِنْ) خَافَ مَا ذُكِرَ أَوْ (كَانَ) الْمَاءُ بِمَحَلٍّ (فَوْقَ ذَلِكَ) الْمَحَلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute