للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[مغني المحتاج]

مُقَابِلٌ لِلصَّبِيِّ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُقَابِلُ الْأُنْثَى.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ رَجُلٍ كَفَى، فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ رَجُلٍ مَعَهُ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوَارِيثُ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ، وَالْكِبَارَ دُونَ الصِّغَارِ، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ حَظَّ الزَّوْجَةِ أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الزَّوْجِ سَنَةً وَيُوَرِّثُونَ الْأَخَ زَوْجَةَ أَخِيهِ وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ بِالْحِلْفِ وَالنُّصْرَةِ فَيَقُولُ: ذِمَّتِي ذِمَّتُكَ تَرِثُنِي وَأَرِثُكَ ثُمَّ نُسِخَ فَتَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ ثُمَّ نُسِخَ، وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَتَيْ الْمَوَارِيثِ آيَةِ الشِّتَاءِ الَّتِي فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ، وَآيَةِ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِهَا، فَلَمَّا نَزَلَتْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَاشْتَهَرَتْ الْأَخْبَارُ بِالْحَثِّ عَلَى تَعْلِيمِهَا، وَتَعَلُّمِهَا مِنْهَا «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ، وَعَلِّمُوهُ أَيْ: عِلْمَ الْفَرَائِضِ، وَرُوِيَ وَعَلِّمُوهَا - أَيْ الْفَرَائِضَ - النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَقْضِي بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ.

وَمِنْهَا «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهُ مِنْ دِينِكُمْ وَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا حَثَّهُمْ عَلَى تَعَلُّمِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِغَيْرِ هَذَا التَّوَارُثِ أَيْ: وَهُوَ التَّوَارُثُ الْمُتَقَدِّمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ» عَلَى أَقْوَالٍ:

أَحْسَنُهَا أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ، فَإِنَّ حَالَ النَّاسِ اثْنَانِ حَيَاةٌ وَوَفَاةٌ، فَالْفَرَائِضُ تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْوَفَاةِ، وَسَائِرُ الْعُلُومِ تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْحَيَاةِ. وَقِيلَ: النِّصْفُ بِمَعْنَى الصِّنْفِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ ... وَآخَرُ مُثْنٍ بِاَلَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ

وَقِيلَ: إنَّ الْعِلْمَ يُسْتَفَادُ بِالنَّصِّ تَارَةً وَبِالْقِيَاسِ أُخْرَى، وَعِلْمُ الْفَرَائِضِ مُسْتَفَادٌ مِنْ النَّصِّ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إذَا تَحَدَّثْتُمْ فَتَحَدَّثُوا فِي الْفَرَائِضِ وَإِذَا لَهَوْتُمْ فَالْهُوا فِي الرَّمْيِ، وَاشْتَهَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِعِلْمِ الْفَرَائِضِ أَرْبَعَةٌ: عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يَتَّفِقْ هَؤُلَاءِ فِي مَسْأَلَةٍ إلَّا وَافَقَتْهُمْ الْأُمَّةُ وَمَا اخْتَلَفُوا إلَّا وَقَعُوا فُرَادَى ثَلَاثَةٌ فِي جَانِبٍ، وَوَاحِدٌ فِي جَانِبٍ، وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَذْهَبَ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ» .

وَعَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يُهْجَرْ لَهُ قَوْلٌ بَلْ جَمِيعُ أَقْوَالِهِ مَعْمُولٌ بِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَمَعْنَى اخْتِيَارِهِ لِمَذْهَبِهِ أَنَّهُ نَظَرَ فِي أَدِلَّتِهِ فَوَجَدَهَا مُسْتَقِيمَةً فَعَمِلَ بِهَا لَا أَنَّهُ قَلَّدَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي مَطْلَبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا، وَذَكَرْتُ فِي شَرْحِ النَّبِيهِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي اسْمِ زَيْدٍ أُصُولُ الْفَرَائِضِ، وَغَالِبُ قَوَاعِدِهَا، وَعَرَّفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>