غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ مَا فَضَلَ عَنْ فُرُوضِهِمْ بِالنِّسْبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صُرِفَ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَصْرِيحٌ بِاخْتِيَارِ هَذَا، لَكِنْ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ عِنْدَ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا: مِنْهُمْ ابْنُ سُرَاقَةَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا وَمُتَقَدِّمِيهِمْ أَيْ: لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْأَرْبَعِمِائَةِ، وَقَالَ: إنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمُتَوَلِّي وَالْجَوْجَرِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ، فَتَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ لَهُ بِفَتْوَى الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ بِوَاضِحٍ، وَكَلَامُهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الرَّدِّ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ، وَلَيْسَ مُرَادًا قَطْعًا، بَلْ إنْ كَانَ فِي يَدِ أَمِينٍ نَظَرٌ، إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ دُفِعَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاضٍ بِشَرْطِهِ صَرَفَ الْأَمِينُ بِنَفْسِهِ إلَى الْمَصَالِحِ.
فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْجَائِرِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ لِلْمُتَصَدِّقِ غَرَضًا صَحِيحًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ، وَقَوْلُهُ: (غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ) بِجَرِّ غَيْرِ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ نَصْبِهَا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ زِيَادَتِهِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الرَّدِّ الْقَرَابَةُ، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِيهِمَا، وَنَقَلَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَلَوْ كَانَ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ رَحِمٌ: كَبِنْتِ الْخَالَةِ، وَبِنْتِ الْعَمِّ وَجَبَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالرَّدِّ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا لَكِنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِمَا مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ (مَا فَضَلَ عَنْ فُرُوضِهِمْ بِالنِّسْبَةِ) لِسِهَامِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ طَلَبًا لِلْعَدْلِ فِيهِمْ، فَإِنْ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ أَخَذَ الْفَرْضَ وَالْبَاقِيَ بِالرَّدِّ، أَوْ جَمَاعَةً مِنْ صِنْفٍ: كَالْبَنَاتِ، فَالْبَاقِي لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ صِنْفَيْنِ فَأَكْثَرَ رُدَّ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ، فَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فَرْضَيْهِمَا سَهْمَانِ مِنْ سِتَّةٍ: لِلْأُمِّ رُبُعُهُمَا نِصْفُ سَهْمٍ، وَلِلْبِنْتِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِمَا، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ إنْ اعْتَبَرْتَ مَخْرَجَ النِّصْفِ، وَمَنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ إنْ اعْتَبَرْتَ مَخْرَجَ الرُّبُعِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَاعِدَةِ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إلَى أَرْبَعَةٍ: لِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ وَاحِدٌ، وَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فُرُوضِهِمْ سَهْمٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِلْبِنْتِ وَرُبُعُهُ لِلْأُمِّ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى سِتَّةَ عَشَرَ: لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتِ تِسْعَةٌ، وَلِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ، وَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ وَزَوْجَةٍ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فُرُوضِهِنَّ خَمْسَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ: لِلْأُمِّ رُبُعُهَا سَهْمٌ وَرُبُعٌ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَتِسْعِينَ وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْأُمِّ سَبْعَةٌ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَيُقَالُ: عَلَى وَفْقِ الِاخْتِصَارِ ابْتِدَاءً فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: سِهَامُهُمَا مِنْ السِّتَّةِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ: فَيَجْعَلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ. وَفِي اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا الْبَاقِي مِنْ مَخْرَجِ الرُّبُعِ، وَالثُّمُنُ لِلزَّوْجَيْنِ بَعْدَ نَصِيبِهِمَا لَا يَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةِ سِهَامٍ: الْأُمُّ وَالْبِنْتُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمَا فَتُضْرَبُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ أَيْ: فَتُضْرَبُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ، وَفِي الثَّالِثَةِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَمَانِيَةٍ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ لَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ، وَهِيَ مُخْتَصَرَةٌ مَفِيدَةٌ وَالرَّدُّ ضِدُّ الْعَوْلِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي قَدْرِ السِّهَامِ وَنَقْصٌ فِي عَدَدِهَا وَالْعَوْلُ نَقْصٌ فِي قَدْرِهَا وَزِيَادَةٌ فِي عَدَدِهَا (فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا) أَيْ: أَصْحَابُ الْفُرُوضِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ (صُرِفَ) الْمَالُ (إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ) لِحَدِيثِ: «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute