تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَصَبِيٍّ، وَفِي قَوْلٍ تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ، وَلَا رَقِيقٍ، وَقِيلَ: إنْ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ.
ــ
[مغني المحتاج]
أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ.
أَمَّا الْوَارِثُ فَلَا يُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى: كَزَكَاةٍ وَحَجٍّ أَوْ حَقٍّ لِآدَمِيِّينَ: كَوَدِيعَةٍ وَمَغْصُوبٍ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ مَنْ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِهِ مَنْ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ: فَلَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إذَا لَمْ يَخْشَ مِنْهُمْ كِتْمَانَهُ كَالْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ. اهـ.
وَهُوَ حَسَنٌ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَصَدَقَةُ الشَّخْصِ صَحِيحًا ثَمَّ حَيًّا أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَتِهِ مَرِيضًا وَبَعْدَ الْمَوْتِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ: قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا» . .
وَأَرْكَانُ الْوَصِيَّةِ أَرْبَعَةٌ: مُوصٍ، وَمُوصًى لَهُ، وَمُوصًى بِهِ، وَصِيغَةٌ، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: (تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ) مُخْتَارٍ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ (وَإِنْ كَانَ كَافِرًا) وَلَوْ حَرْبِيًّا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنْ اُسْتُرِقَّ بَعْدَهَا، وَمَالُهُ عِنْدَنَا بِأَمَانٍ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ الْمُرْتَدَّ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. نَعَمْ إنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ كَافِرًا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي (وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ، وَنَقَلَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْمُكَلَّفِ الْحُرِّ بِالذِّكْرِ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فَالسَّفِيهُ بِلَا حَجْرٍ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ جَزْمًا، وَخَرَجَ بِالسَّفِيهِ حَجْرُ الْفَلَسِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مَعَهُ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ: مُكَلَّفٍ، فَقَالَ: (لَا مَجْنُونٍ) وَمَعْتُوهٍ وَمُبَرْسَمٍ (وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَصَبِيٍّ) فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلٍّ مِنْهُمْ إذْ لَا عِبَارَةَ لَهُمْ.
وَأَمَّا السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ فَإِنَّهُ فِي رَأْيِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ سَبَبُهُ سُكْرًا عَصَى بِهِ، وَكَلَامُهُ مُنْتَظِمٌ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ (وَفِي قَوْلٍ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ، وَرَجَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ مِلْكَهُ فِي الْحَالِ، وَتُفِيدُ الثَّوَابَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ جَزْمًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَالدَّارِمِيُّ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ: حُرٍّ. فَقَالَ: (وَلَا رَقِيقٍ) فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ قِنًّا أَمْ مُدَبَّرًا أَمْ مُكَاتَبًا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ أَمْ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْوَصِيَّةَ حَيْثُ التَّوَارُثُ، وَالرَّقِيقُ لَا يُورَثُ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْأَمْرِ بِالْوَصِيَّةِ (وَقِيلَ: إنْ) أَوْصَى فِي حَالِ رِقِّهِ ثُمَّ (عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ) لِأَنَّ عِبَارَتَهُ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ حِينَئِذٍ.
أَمَّا إذَا أَذِنَ لِلْمُكَاتَبِ سَيِّدُهُ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ لِصِحَّةِ تَبَرُّعِهِ بِالْإِذْنِ، وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute