وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ، وَتُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ.
وَلِذِمِّيٍّ، وَكَذَا حَرْبِيٌّ وَمُرْتَدٌّ فِي الْأَصَحِّ،
ــ
[مغني المحتاج]
الدَّابَّةَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ ذَلِكَ لِعَلْفِهَا وَإِنْ صَارَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ (لِعِمَارَةِ) أَوْ مَصَالِحِ (مَسْجِدٍ) إنْشَاءً وَتَرْمِيمًا؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ، وَفِي مَعْنَى الْمَسْجِدِ الْمَدْرَسَةُ وَالرِّبَاطُ الْمُسَبَّلُ وَالْخَانْقَاهْ وَقَيَّدَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ الْمَسْجِدَ بِالْمَوْجُودِ، فَإِنْ أَوْصَى لِمَسْجِدٍ سَيُبْنَى لَمْ تَصِحَّ جَزْمًا وَهُوَ نَظِيرُ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ سَيُبْنَى (وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ) الْوَصِيَّةَ لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا يَصِحُّ (فِي الْأَصَحِّ. وَتُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ) لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَصْرِفُهُ قَيِّمُهُ فِي أَهَمِّهَا بِاجْتِهَادِهِ. وَالثَّانِي يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَالدَّابَّةِ، وَرَدَّهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلدَّابَّةِ نَادِرٌ مُسْتَنْكَرٌ فِي الْعُرْفِ فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ.
تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا إذَا قَالَ: أَرَدْتُ تَمْلِيكَ الْمَسْجِدِ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَلَك أَنْ تَقُولَ سَبَقَ أَنَّ لِلْمَسْجِدِ مِلْكًا وَعَلَيْهِ وَقْفًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الْأَفْقَهُ وَالْأَرْجَحُ.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي اللُّقَطَةِ مَا يُفْهِمُ جَوَازَ الْهِبَةِ لِلْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَالْكَعْبَةُ فِي ذَلِكَ كَالْمَسْجِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ. قَالَ: وَيُصْرَفُ فِي عِمَارَتِهَا، وَقِيلَ إلَى سَاكِنِ مَكَّةَ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ إلْحَاقُ الْكِسْوَةِ بِالْعِمَارَةِ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَالِحِ، وَكَذَا مَا أَوْصَى بِهِ لِلضَّرِيحِ النَّبَوِيِّ - عَلَى سَاكِنِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ - يُحْمَلُ عَلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ الْأَشْيَاءِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ فِي حَرَمِهِ فَإِنَّهَا قَدْ تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْحَرَمِ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِذِمِّيٍّ) بِمَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ لَهُ كَمَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «فِي كُلِّ كَبِدٍ حَرَّاءَ أَجْرٌ» وَعَنْ الْبَيْهَقِيّ: " أَنَّ صَفِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَوْصَتْ لِأَخِيهَا بِأَلْفِ دِينَارٍ وَكَانَ يَهُودِيًّا " أَمَّا مَا لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ لَهُ كَالْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِهِ، وَفِي مَعْنَى الذِّمِّيِّ الْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ كَمَا قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ (وَكَذَا حَرْبِيٌّ) مُعَيَّنٌ سَوَاءٌ أَكَانَ بِدَارِنَا أَمْ لَا بِمَا لَهُ تَمَلُّكُهُ لَا كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ (وَ) كَذَا (مُرْتَدٌّ) مُعَيَّنٌ لَمْ يَمُتْ مُرْتَدًّا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ.
وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِلْأَمْرِ بِقَتْلِهِمَا فَلَا مَعْنَى لِلْوَصِيَّةِ لَهُمَا كَالْوَقْفِ عَلَيْهِمَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوَقْفَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ وَهُمَا مَقْتُولَانِ بِكُفْرِهِمَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ.
تَنْبِيهٌ: مَسْأَلَةُ الْمُرْتَدِّ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَامْتَنَعَ مِنَّا لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ قَطْعًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مُتَّجَهٌ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلذِّمِّيِّ التَّعْيِينُ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ فَتَصِحُّ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالرِّدَّةِ فَلَا تَصِحُّ لَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ، وَلَوْ أَوْصَى لِمَنْ يَرْتَدُّ بَطَلَتْ أَوْ لِمُسْلِمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute