وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمَخُوفِ أَسْرُ كُفَّارٍ اعْتَادُوا قَتْلَ الْأَسْرَى، وَالْتِحَامُ قِتَالٍ بَيْنَ مُتَكَافِئَيْنِ، وَتَقْدِيمٌ لِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ، وَاضْطِرَابُ رِيحٍ، وَهَيَجَانُ مَوْجٍ فِي رَاكِبِ سَفِينَةٍ، وَطَلْقُ حَامِلٍ، وَبَعْدَ الْوَضْعِ مَا لَمْ تَنْفَصِلْ الْمَشِيمَةُ.
وَصِيغَتُهَا
ــ
[مغني المحتاج]
الْأَخْلَاطِ كَالْبَلْغَمِ أَوْ دَمٍ، وَمِنْهُ الْجِرَاحَةُ إذَا كَانَتْ نَافِذَةً إلَى الْجَوْفِ، أَوْ كَانَتْ عَلَى مَقْتَلٍ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ كَثِيرِ اللَّحْمِ، أَوْ حَصَلَ مَعَهَا ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ، أَوْ تَآكُلٌ، أَوْ تَوَرُّمٌ. وَمِنْهُ الْبِرْسَامُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ وَرَمٌ فِي حِجَابِ الْقَلْبِ أَوْ الْكَبِدِ يَصْعَدُ أَثَرُهُ إلَى الدِّمَاغِ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمَخُوفِ) مِنْ الْأَمْرَاضِ السَّابِقَةِ (أَسْرُ كُفَّارٍ اعْتَادُوا قَتْلَ الْأَسْرَى) وَلَوْ اعْتَادَ الْبُغَاةُ أَوْ الْقُطَّاعُ قَتْلَ مَنْ أَسَرُوهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
أَمَّا مَنْ لَمْ يَعْتَدْ قَتْلَ الْأَسْرَى كَالرُّومِ فَلَا خَوْفَ فِي أَسْرِهِمْ (وَالْتِحَامُ) أَيْ اخْتِلَاطُ (قِتَالٍ بَيْنَ) فَرِيقَيْنِ (مُتَكَافِئَيْنِ) أَوْ قَرِيبَيْنِ مِنْ التَّكَافُؤِ سَوَاءٌ أَكَانَا مُسْلِمَيْنِ أَمْ كَافِرَيْنِ، أَمْ كَافِرًا وَمُسْلِمًا، وَلَفْظَةُ مُتَكَافِئَيْنِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَلَا خَوْفَ إذَا لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ وَلَوْ كَانَا يَتَرَامَيَانِ بِالنِّشَابِ وَلَا فِي الْفَرِيقِ الْغَالِبِ (وَتَقْدِيمٌ لِقِصَاصٍ) بِخِلَافِ الْحَبْسِ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ، ثُمَّ حَكَى عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
فَإِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا أَوْ حُبِسَ لِيُقْتَلَ لَزِمَهُ الْوَصِيَّةُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلْقَتْلِ كَالتَّقْدِيمِ لَهُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ التَّقْدِيمَ لِلْقِصَاصِ وَقْتُ دَهْشَةٍ، فَلَوْ قِيلَ إنَّهُ لَا يُوصِي إلَّا ذَلِكَ الْوَقْتَ، فَإِمَّا أَنْ نُضَمِّنَهُ لَوْ تَرَكَ أَوْ لَا، إنْ ضَمَّنَّاهُ أَضْرَرْنَاهُ وَإِنْ لَمْ نُضَمِّنْهُ أَضْرَرْنَا بِالْمَالِكِ، فَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ بِأَنْ يُلْحَقَ الْحَبْسُ لِلْقَتْلِ بِالْمَخُوفِ هُنَاكَ بِخِلَافِهِ هُنَا (أَوْ رَجْمٍ) فِي الزِّنَا، أَوْ قَتْلٍ فِي قَطْعِ طَرِيقٍ (وَاضْطِرَابُ رِيحٍ) هُوَ مُغْنٍ عَنْ قَوْلِهِ (وَهَيَجَانُ مَوْجٍ) لِتَلَازُمِهِمَا (فِي) حَقِّ (رَاكِبِ سَفِينَةٍ) فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ عَظِيمٍ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ. نَعَمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ السَّاحِلِ لَا يَكُونُ مَخُوفًا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَا خَوْفَ إذَا كَانَ الْبَحْرُ سَاكِنًا (وَطَلْقُ حَامِلٍ) بِسَبَبِ وِلَادَةٍ بِخِلَافِ إسْقَاطِ عَلَقَةٍ أَوْ مُضْغَةٍ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِخَطَرِ الْوِلَادَةِ دُونَهُمَا، وَخَرَجَ بِطَلْقِ حَامِلٍ الْحَمْلُ نَفْسُهُ فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ.
فَائِدَةٌ: رَوَى الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِ آخِرِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ " إذَا عَسُرَ عَلَى الْمَرْأَةِ وِلَادَتُهَا فَيُكْتَبُ فِي صَحْفَةٍ ثُمَّ يُغْسَلُ وَيُسْقَى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (وَبَعْدَ الْوَضْعِ مَا لَمْ تَنْفَصِلْ الْمَشِيمَةُ) وَهِيَ الَّتِي تُسَمِّيهَا النِّسَاءُ الْخَلَاصَ، فَإِنْ انْفَصَلَتْ الْمَشِيمَةُ فَلَا خَوْفَ إنْ لَمْ يَحْصُلُ بِالْوِلَادَةِ جُرْحٌ، أَوْ ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ، أَوْ وَرَمٌ.
تَنْبِيهٌ: لَا يُلْحَقُ بِالْأَمْرَاضِ السَّابِقَةِ وَجَعُ الْعَيْنِ وَلَا الضِّرْسِ وَلَا الصُّدَاعِ وَلَا الْهَرَمِ وَلَا الْجَرَبِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعُ وَهُوَ الصِّيغَةُ فَقَالَ: (وَصِيغَتُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute