طَاهِرٍ حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ، وَبِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ لَا بِمَعْدِنِ وَسِحَاقَةِ خَزَفٍ وَمُخْتَلِطٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِهِ. وَقِيلَ: إنْ قَلَّ الْخَلِيطُ جَازَ،
ــ
[مغني المحتاج]
جِنْسٍ، وَقِيلَ: جَمْعٌ وَاحِدَتُهُ تُرَابَةٌ. وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ التُّرَابِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ طَلْقَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي يَقَعُ ثَلَاثٌ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي مَحَلِّهِ (طَاهِرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣] [الْمَائِدَةُ] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ التُّرَابُ الطَّاهِرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُرَابٌ لَهُ غُبَارٌ، وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦] [الْمَائِدَةُ] فَإِنَّ الْإِتْيَانَ بِمِنْ الدَّالَّةِ عَلَى التَّبْعِيضِ يَقْتَضِي أَنْ يَمْسَحَ بِشَيْءٍ يَحْصُلُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بَعْضُهُ.
وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مِمَّنْ لَا يَشْتَرِطُ التُّرَابَ بِأَنْ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَضَعَّفَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعَرَبِ لَا يَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ الدُّهْنِ وَمِنْ الْمَاءِ وَمِنْ التُّرَابِ إلَّا مَعْنَى التَّبْعِيضِ، وَالْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ أَحَقُّ مِنْ الْمِرَاءِ اهـ.
وَيَدُلُّ لَهُ مِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُبَيِّنَةٌ لِلرِّوَايَةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي فِيهَا «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» .
وَاسْمُ التُّرَابِ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَصْفَرُ وَالْأَعْفَرُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ (حَتَّى مَا) يُؤْكَلُ سَفَهًا، وَهُوَ الْخُرَاسَانِيُّ أَوْ (يُدَاوَى بِهِ) كَالطِّينِ الْإِرْمَنِي بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ إذَا سُحِقَ لِوُقُوعِ اسْمِ التُّرَابِ عَلَيْهِ، وَالْبَطْحَاءِ وَهُوَ تُرَابٌ بِمَسِيلِ الْمَاءِ فِيهِ دِقَاقُ حَصًى، وَالسَّبِخُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ: وَهُوَ مَا لَا يَنْبُتُ إذَا لَمْ يَعْلُهُ الْمِلْحُ، فَإِنْ عَلَاهُ لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَالتُّرَابُ الَّذِي خَرَجَتْ بِهِ أَرْضُهُ مِنْ مَدَرٍ؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ، لَا مِنْ خَشَبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّاهُ وَإِنْ أَشْبَهَهُ، وَلَا أَثَرَ لِلُعَابِهَا الْمُخْتَلَطِ بِالتُّرَابِ، وَلَا أَثَرَ لِتَغَيُّرِ طِينٍ أَسْوَدَ وَلَوْ شُوِيَ وَتَسَوَّدَ؛ لِأَنَّ اسْمَ التُّرَابِ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الشَّيْءِ إلَّا مَا صَارَ رَمَادًا، وَإِنْ انْتَقَضَ مِنْ نَحْوِ كَلْبِ تُرَابٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ تَرَطُّبُهُ عِنْدَ الْتِصَاقِهِ بِهِ بِمَاءٍ أَوْ عَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَقِيقَةً وَأَصَالَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا عُلِمَ ذَلِكَ (وَبِرَمْلٍ) لَا يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ وَلَوْ كَانَ نَاعِمًا (فِيهِ غُبَارٌ) مِنْهُ وَلَوْ بِسَحْقِهِ لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ وَالتُّرَابُ جِنْسٌ لَهُ، فَلَا يَصِحُّ بِرَمْلٍ وَلَوْ نَاعِمًا لَا غُبَارَ فِيهِ أَوْ فِيهِ غُبَارٌ، لَكِنَّ الرَّمْلَ يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ لِمَنْعِهِ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ كَمَا سَيَأْتِي فِي التُّرَابِ الْمُخْتَلِطِ بِغَيْرِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا شَرْطٌ آخَرُ فِي التُّرَابِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، فَإِنْ كَانَ جَرْشًا أَوْ نَدِيًا لَا يَرْتَفِعُ لَهُ غُبَارٌ لَمْ يَكْفِ (لَا بِمَعْدِنِ) بِكَسْرِ الدَّالِ كَنَفْطٍ وَكِبْرِيتٍ وَنُورَةٍ (وَسِحَاقَةِ خَزَفٍ) وَهُوَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الطِّينِ وَيُشْوَى كَالْكِيزَانِ، إذْ لَا يُسَمَّى ذَلِكَ تُرَابًا. وَمِثْلُهُ سِحَاقَةُ نَحْوِ آجُرٍّ، وَلَا بِتُرَابٍ مُتَنَجِّسٍ كَمَقْبَرَةٍ تُيُقِّنَ نَبْشُهَا لِاخْتِلَاطِهَا بِصَدِيدِ الْمَوْتَى (وَ) لَا بِتُرَابٍ (مُخْتَلِطٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِهِ) كَزَعْفَرَانٍ وَجِصٍّ لِمَنْعِهِ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ، بِخِلَافِ الْمُخْتَلِطِ بِرَمْلٍ لَا يَلْصِقُ بِالْعُضْوِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ عُجِنَ التُّرَابُ بِنَحْوِ خَلٍّ فَتَغَيَّرَ بِهِ ثُمَّ جَفَّ صَحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ (وَقِيلَ إنْ قَلَّ الْخَلِيطُ جَازَ) كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا اخْتَلَطَ بِمَائِعٍ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي عَلِقَ بِهِ نَحْوُ الدَّقِيقِ لَا يَصِلُ إلَيْهِ التُّرَابُ لِكَثَافَتِهِ، بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَطِيفٌ فَيَجْرِي عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْخَلِيطُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute