إذَا أَوْصَى بِشَاةٍ تَنَاوَلَ صَغِيرَةَ الْجُثَّةِ وَكَبِيرَتَهَا سَلِيمَةً وَمَعِيبَةً ضَأْنًا وَمَعْزًا وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصَحِّ لَا سَخْلَةٌ وَعَنَاقٌ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ أَعْطُوهُ شَاةً مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ لَغَتْ،
ــ
[مغني المحتاج]
(إذَا أَوْصَى بِشَاةٍ) وَأَطْلَقَ (تَنَاوَلَ) اسْمُ الشَّاةِ (صَغِيرَةَ الْجُثَّةِ) أَيْ الْجِسْمُ (وَكَبِيرَتَهَا سَلِيمَةَ وَمَعِيبَةً ضَأْنًا) بِالْهَمْزِ، وَقَدْ يُخَفَّفُ (وَمَعْزًا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَتُسَكَّنُ جَمْعُ مَاعِزَةٍ لِصِدْقِ الِاسْمِ.
فَإِنْ قِيلَ: تَجْوِيزُ الْمَعِيبَةِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ فِي الْبَيْعِ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ: إنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَهُنَا لَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: اشْتَرُوا لَهُ شَاةً لَا تُشْتَرَى لَهُ مَعِيبَةً كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَنَّهُ أَبْدَى فِيهِ احْتِمَالًا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: ضَأْنًا وَمَعْزًا أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُمَا، فَلَوْ أَرَادَ الْوَارِثُ إعْطَاءَهُ أَرْنَبًا أَوْ ظَبْيًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ قَبُولُهُ وَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ شَاةٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ الشَّاةَ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ وَالنَّعَامِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ، وَسَبَبُهُ تَخْصِيصُ الْعُرْفِ بِالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: شَاةٌ مِنْ شِيَاهِي وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الظِّبَاءُ أَعْطَى مِنْهَا كَمَا بَحَثَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ.
وَنَقَلَهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ (وَكَذَا ذَكَرَ) بِتَنَاوُلِهِ أَيْضًا اسْمَ الشَّاةِ إنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْمُرَادِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ كَالْإِنْسَانِ، وَلَيْسَتْ التَّاءُ فِيهِ لِلتَّأْنِيثِ بَلْ لِلْوَحْدَةِ كَحَمَامٍ وَحَمَامَةٍ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ: لَفْظُ الشَّاةِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَالثَّانِي لَا يَتَنَاوَلُهُ لِلْعُرْفِ، وَالْخُنْثَى كَالذَّكَرِ.
أَمَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ كَأَعْطُوهُ شَاةً يَنِزُّهَا عَلَى غَنَمِهِ أَوْ تَيْسًا أَوْ كَبْشًا تَعَيَّنَ الذَّكَرُ، أَوْ شَاةً يَحْلُبُهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا أَوْ نَعْجَةً تَعَيَّنَتْ الْأُنْثَى أَوْ شَاةً يَنْتَفِعُ بِصُوفِهَا تَعَيَّنَ الضَّأْنُ أَوْ بِشَعْرِهَا تَعَيَّنَ الْمَعْزُ، وَخَرَجَ بِصَغِيرَةِ الْجُثَّةِ صَغِيرَةُ السِّنِّ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (لَا سَخْلَةٌ) وَهِيَ وَلَدُ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مَا لَمْ يَبْلُغْ سَنَةً (وَ) لَا (عَنَاقٌ) وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ كَذَلِكَ وَكَالْعَنَاقِ الْجَدْيُ كَمَا شَمِلَتُهُ السَّخْلَةُ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهَا كَفَى عَنْ ذِكْرِ الْعَنَاقِ، وَدَخَلَ الْجَدْيُ فَلَا يَتَنَاوَلَهُمَا اسْمُ الشَّاةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ كِلَيْهِمَا لَا يُسَمَّى شَاةً لِصِغَرِ سِنِّهَا كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ، وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ. وَالثَّانِي يَتَنَاوَلُهُمَا لِصِدْقِ الِاسْمِ، وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ سَائِرِ الْأَصْحَابِ وَالْغَزَالِيِّ عَنْهُمْ خَلَا الصَّيْدَلَانِيَّ، وَمَعَ هَذَا فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ (وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ شَاةً) أَوْ رَأْسًا (مِنْ غَنَمِي) أَوْ مِنْ شِيَاهِي بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ غَنَمٌ عِنْدَ مَوْتِهِ أُعْطِيَ شَاةً مِنْهَا، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ (وَلَا غَنَمَ لَهُ) عِنْدَ الْمَوْتِ (لَغَتْ) وَصِيَّتُهُ هَذِهِ لِعَدَمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوَصِيَّةُ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَلَهُ غَنَمٌ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ تَصِحُّ، فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ رَأْسًا مِنْ رَقِيقِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَرِقَّاءُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ مَلَكَهُ بَعْدُ أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِيَوْمِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْمَوْتِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى شَاةً مِنْ غَنَمِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ غَنَمِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ تَرَاضَيَا؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute