وَإِنْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ بِهَا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَقِيلَ مِنْ الثُّلُثِ وَيَحُجُّ مِنْ الْمِيقَاتِ.
وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْوَصِيَّةِ أَرْبَعُونَ وَلِلْحَجِّ أَرْبَعُونَ فَهِيَ مَعَ السِّتِّينَ اللَّاتِي نَزَعْتهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ تَمَامُ أُجْرَةِ الْحَجِّ (وَإِنْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ بِهَا) أَيْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِرَأْسِ مَالٍ وَلَا ثُلُثٍ (فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ) كَمَا لَوْ لَمْ يُوصِ وَتُحْمَلُ الْوَصِيَّةُ بِهَا عَلَى التَّأْكِيدِ وَالتِّذْكَارِ بِهَا (وَقِيلَ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّهُ مَصْرِفُ الْوَصَايَا فَيُحْمَلُ ذِكْرُ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ (وَيَحُجُّ) عَنْهُ (مِنْ الْمِيقَاتِ) لِبَلَدِهِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لَكِنْ عَلَى الْأَوَّلِ جَزْمًا وَعَلَى الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَاهُ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ اُمْتُثِلَ. نَعَمْ إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ وَعَجَزَ عَنْهُ فَمِنْ حَيْثُ أَمْكَنَ.
وَلَوْ قَالَ: أَحِجُّوا عَنِّي زَيْدًا بِخَمْسِينَ دِينَارًا مَثَلًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهَا شَيْءٌ مَعَ خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَحُجُّ بِدُونِهَا، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فَمِقْدَارُ أُجْرَةِ حَجَّةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالزَّائِدُ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ.
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَوُجِدَ مَنْ يَحُجَّ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ صُرِفَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَكَانَ الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقِيلَ: يَجِبُ صَرْفُ الْجَمِيع وَرَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ.
وَلَوْ قَالَ: أَحِجُّوا عَنِّي زَيْدًا بِكَذَا وَلَمْ يُعَيِّنْ سَنَةً، فَامْتَنَعَ زَيْدٌ مِنْ حَجِّ عَامِ الْوَصِيَّةِ هَلْ يُؤَخَّرُ الْحَجُّ لِأَجْلِهِ أَوْ يُسْتَأْجَرُ غَيْرُهُ فِي عَامِ الْوَصِيَّةِ وَالْحَجُّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ؟ لَا نَقْلَ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ تَمَكَّنَ مِنْ الْحَجِّ فِي حَيَاتِهِ وَأَخَّرَ تَهَاوُنًا حَتَّى مَاتَ لَا تُؤَخَّرُ عَنْ عَامِهَا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَاصِيًا بِالتَّأْخِيرِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ عَلَى الْفَوْرِ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَلَا تَمَكَّنَ أَخَّرَهُ الْمُعَيَّنُ إلَى الْيَأْسِ مِنْ حَجِّهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا كَالتَّطَوُّعِ.
قَالَ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ التَّغْرِيرِ اهـ.
وَهَذَا أَظْهَرُ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُعَيَّنُ مِنْ الْحَجِّ عَنْهُ أَحَجَّ غَيْرَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ إنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَهَلْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا تَبْطُلُ.
(وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَحُجَّ) حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَكَذَا عُمْرَتَهُ وَحَجَّةَ النَّذْرِ وَعُمْرَتَهُ (عَنْ الْمَيِّتِ) مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ (بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ) كَقَضَاءِ الدَّيْنِ. وَالثَّانِي: لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ لِلِافْتِقَارِ إلَى النِّيَّةِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الصَّوْمِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ لِلصَّوْمِ بَدَلًا وَهُوَ الْإِمْدَادُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِهِ ظَاهِرُهُ إذْنُ الْمَيِّتِ قَبْلَ وَفَاتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ إذْنُهُ فِي حَالِ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِغَيْرِ إذْنِهِ: أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَارِثِ كَذَا صَوَّرَاهَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا أَذِنَ الْوَارِثُ صَحَّ قَطْعًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِغَيْرِ إذْنٍ لِيَشْمَلَ إذْنَهُ وَإِذْنَ الْوَارِثِ وَالْحَاكِمِ حَيْثُ لَا وَارِثَ أَوْ كَانَ الْوَارِثُ الْخَاصُّ طِفْلًا وَنَحْوَهُ. اهـ.
وَإِذَا عَيَّنَ الْمَيِّتُ شَخْصًا تَعَيَّنَ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَقَوْلُهُ: لِلْأَجْنَبِيِّ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ