وَأَنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ، لَا إعْتَاقٍ فِي الْأَصَحِّ.
وَتَنْفَعُ الْمَيِّتَ صَدَقَةٌ وَدُعَاءٌ مِنْ وَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ لِإِثْبَاتِ الْخِلَافِ لَا لِلْمَنْعِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ (يَقَعُ عَنْهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ) هُوَ غَيْرُ الْوَارِثِ عَنْهُ (بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ) كَقَضَاءِ دَيْنِهِ. وَالثَّانِي: لَا لِبُعْدِ الْعِبَادَةِ عَنْ النِّيَابَةِ (لَا إعْتَاقٍ) تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَيِّتِ فَلَا يَقَعُ عَنْهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِاجْتِمَاعِ بُعْدِ الْعِبَادَةِ عَنْ النِّيَابَةِ وَبُعْدِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ. وَالثَّانِي: يَقَعُ عَنْهُ كَغَيْرِهِ، وَهَذَا التَّصْحِيحُ فِي الْمُخَيَّرَةِ وَالْمُرَتَّبَةِ أَخْذًا مِنْ الْإِطْلَاقِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ تَصْحِيحِ الْوُقُوعِ فِي الْمُرَتَّبَةِ بِنَاءً عَلَى تَعْلِيلِ الْمَنْعِ فِي الْمُخَيَّرَةِ بِسُهُولَةِ التَّكْفِيرِ بِغَيْرِ إعْتَاقٍ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ فَالْمُعْتَمَدُ مَا هُنَا وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا تَرِكَةَ فَأَدَّاهُ الْوَارِثُ مِنْ مَالِهِ وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ الْقَبُولُ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ. .
ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَنْفَعُ الْمَيِّتَ فَقَالَ (وَتَنْفَعُ الْمَيِّتَ صَدَقَةٌ) عَنْهُ، وَوَقْفٌ، وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ، وَحَفْرُ بِئْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَدُعَاءٌ) لَهُ (مِنْ وَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ) كَمَا يَنْفَعُهُ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ، وَلِلْإِجْمَاعِ وَالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي بَعْضِهَا كَخَبَرِ: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وَخَبَرِ «سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سَقْيُ الْمَاءِ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: «إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِإِسْقَاءِ وَلَدِكَ لَكَ» وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: ١٠] أَثْنَى عَلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ لِلسَّابِقِينَ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] فَعَامٌّ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: مَنْسُوخٌ بِهِ، وَكَمَا يَنْتَفِعُ الْمَيِّتُ بِذَلِكَ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُتَصَدِّقُ. وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْمُتَصَدِّقِ شَيْءٌ؛ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ بِصَدَقَتِهِ عَنْ أَبَوَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ثَوَابٌ غَيْرُ ذَلِكَ كَالصَّلَاةِ عَنْهُ قَضَاءً أَوْ غَيْرِهَا، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَهَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْفَتَاوَى عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَكْثَرِينَ، وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَقَالَ: يَأْتِي بِهِمَا الْأَجِيرُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ تَبَعًا لِلطَّوَافِ وَصَحَّحَاهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي الثَّوَابِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الشَّارِعِ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ أَنَّهُ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ: فَقَالَ: كُنْتُ أَقُولُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَالْآنَ بَانَ لِي أَنَّ ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ. وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْأَذْكَارِ وَجْهًا أَنَّ ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ كَمَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ الصَّلَاحِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute