للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَفْظُهُ أَوْصَيْتُ إلَيْك أَوْ فَوَّضْتُ وَنَحْوهُمَا، وَيَجُوزُ فِيهِ التَّوْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ.

وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَا يُوصِي فِيهِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَوْصَيْت إلَيْك لَغَا.

وَالْقَبُولُ

ــ

[مغني المحتاج]

وُجُودِ الْجَدِّ وَعَدَمِهِ وَعَدَمِ الْأَوْلِيَاءِ، وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ لَهُ بِحَدِيثِ: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَلِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَتَغَيَّرُ بِدُخُولِ الدَّنِيِّ فِي نَسَبِهِمْ، وَلِأَنَّ الْبَالِغِينَ لَا وِصَايَةَ فِي حَقِّهِمْ، وَالصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ لَا يُزَوِّجُهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ. نَعَمْ إنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَاسْتَمَرَّ نَظَرُ الْوَصِيِّ لِسَفَهٍ اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فِي نِكَاحِهِ كَمَا سَيَأْتِي.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ صِحَّةُ الْإِيصَاءِ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي مَعْصِيَةٍ كَبِنَاءِ كَنِيسَةِ التَّعَبُّدِ لِعَدَمِ الْإِبَاحَةِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُوصَى فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفًا مَالِيًّا مُبَاحًا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الصِّيغَةُ، فَقَالَ (وَلَفْظُهُ) أَيْ الْإِيجَابُ فِي الْإِيصَاءِ مِنْ نَاطِقٍ (أَوْصَيْتُ إلَيْك أَوْ فَوَّضْتُ) إلَيْك (وَنَحْوُهُمَا) كَأَقَمْتُكَ مَقَامِي فِي أَمْرِ أَوْلَادِي بَعْدَ مَوْتِي أَوْ جَعَلْتُكَ وَصِيًّا، وَهَلْ تَنْعَقِدُ الْوِصَايَةُ بِلَفْظِ الْوِلَايَةِ، كَوَلَّيْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي كَمَا تَنْعَقِدُ بِأَوْصَيْتُ إلَيْك؟ وَجْهَانِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بَلَا تَرْجِيحٍ، رَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ مِنْهُمَا الِانْعِقَادَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ وَلَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ.

أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَكْفِي إشَارَتُهُ الْمُفْهِمَةُ وَكِتَابَتُهُ، وَالنَّاطِقُ إذَا اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَأَشَارَ بِالْوَصِيَّةِ بِرَأْسِهِ أَوْ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ لِقِرَاءَةِ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ كَالْأَخْرَسِ (وَيَجُوزُ فِيهِ) أَيْ الْإِيصَاءِ (التَّوْقِيتُ) كَأَوْصَيْتُ إلَيْك سَنَةً أَوْ إلَى بُلُوغِ ابْنِي كَمَا مَرَّ (وَالتَّعْلِيقُ) كَإِذَا مِتُّ فَقَدْ أَوْصَيْتُ إلَيْك؛ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ تَحْتَمِلُ الْجَهَالَاتِ وَالْأَخْطَارَ فَكَذَا التَّوْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ، وَلِأَنَّ الْإِيصَاءَ كَالْإِمَارَةِ.

وَقَدْ «أَمَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْدًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَقَالَ: إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ وَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَا يُوصِي فِيهِ) كَقَوْلِهِ: فُلَانٌ وَصِيٌّ فِي قَضَاءِ دَيْنِي وَتَنْفِيذِ وَصِيَّتِي وَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ أَطْفَالِي، وَمَتَى خَصَّصَ وِصَايَتَهُ بِحِفْظٍ وَنَحْوِهِ أَوْ عَمَّمَ اُتُّبِعَ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْصَيْت إلَيْك أَوْ أَقَمْتُك مَقَامِي فِي أَمْرِ أَطْفَالِي وَلَمْ يَذْكُرْ التَّصَرُّفَ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَحِفْظُهُ اعْتِمَادًا عَلَى الْعُرْفِ (فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَوْصَيْت إلَيْك لَغَا) هَذَا الْإِيصَاءُ كَمَا قَالَ: وَكَّلْتُكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا وَكَّلَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَا عُرْفَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ.

(وَ) يُشْتَرَطُ فِي الْإِيصَاءِ (الْقَبُولُ) لِأَنَّهُ عَقْدُ تَصَرُّفٍ فَأَشْبَهَ الْوَكَالَةَ وَالْقَبُولُ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ تَنْفِيذُ الْوَصَايَا وَكَذَا إذَا عَرَضَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ عِنْدَ ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ كَمَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ لَفْظًا لَكِنَّ مُقْتَضَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ التَّصَرُّفُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْوَكَالَةِ، وَتَبْطُلُ بِالرَّدِّ كَأَنْ يَقُولَ: لَا أَقْبَلُ.

وَيُسَنُّ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَانَةَ الْقَبُولُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ، فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ.

وَنَقَلَ الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ إلَّا أَحْمَقُ أَوْ لِصٌّ، فَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الضَّعْفَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْقَبُولُ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>