وَسَافَرَ ضَمِنَ فَإِنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا يَسْكُنُ الْمَوْضِعِ لَمْ يَضْمَنْ فِي الْأَصَحِّ.
وَلَوْ سَافَرَ بِهَا ضَمِنَ إلَّا إذَا وَقَعَ حَرِيقٌ أَوْ غَارَةٌ وَعَجَزَ عَمَّنْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ كَمَا سَبَقَ، وَالْحَرِيقُ وَالْغَارَةُ فِي الْبُقْعَةِ وَإِشْرَافُ الْحِرْزِ عَلَى الْخَرَابِ أَعْذَارٌ كَالسَّفَرِ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَلَوْ حِرْزًا (وَسَافَرَ ضَمِنَ) هَا لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْأَخْذِ، هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا مَنْ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: (فَإِنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا) يَجُوزُ الْإِيدَاعُ عِنْدَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (يَسْكُنُ الْمَوْضِعِ) الَّذِي دُفِنَتْ فِيهِ، وَهُوَ حِرْزُ مِثْلِهَا (لَمْ يَضْمَنْ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَا فِي الْمَوْضِعِ فِي يَدِ سَاكِنِهِ فَكَأَنَّهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا فَشَرْطُهُ فَقْدُ الْقَاضِي الْأَمِينِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ الدَّفْعُ إلَى الْقَاضِي، أَوْ إعْلَامُهُ بِهِ، أَوْ الدَّفْعُ إلَى الْأَمِينِ، أَوْ إعْلَامُهُ بِهِ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ هَذَا إعْلَامٌ لَا إيدَاعٌ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ أَعْلَمَ أَمِينًا لَا يَجُوزُ الْإِيدَاعُ عِنْدَهُ ضَمِنَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَهَذَا الْإِعْلَامُ لَيْسَ بِإِشْهَادٍ عَلَى الْأَصَحِّ، بَلْ ائْتِمَانٌ حَتَّى تَكْفِيَ فِيهِ امْرَأَةٌ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: أَعْلَمَ بِهَا يُشْعِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْأَمِينِ لَهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَوْلُهُ: يَسْكُنُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَإِنَّ مُرَاقَبَةَ الْحَارِسِ لَهَا كَالسُّكْنَى. وَخَرَجَ بِقَوْلِي: وَهُوَ حِرْزٌ مِثْلُهَا مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا جَزْمًا، وَإِنْ أَعْلَمَ بِهَا غَيْرَهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَمِنْ عَوَارِضِ الضَّمَانِ السَّفَرُ كَمَا قَالَ:.
(وَلَوْ سَافَرَ بِهَا) مِنْ حَضَرٍ (ضَمِنَ) وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَتَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَتَقْصِيرِهِ بِالسَّفَرِ الَّذِي حِرْزُهُ دُونَ حِرْزِ الْحَضَرِ، أَمَّا لَوْ أَوْدَعَهَا الْمَالِكُ مُسَافِرًا فَسَافَرَ بِهَا أَوْ مُنْتَجِعًا فَانْتَجَعَ بِهَا فَلَا ضَمَانَ لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ، وَلَهُ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا ثَانِيًا لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ ابْتِدَاءً إلَّا إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إحْرَازُهَا بِالْبَلَدِ فَيَمْتَنِعُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ الضَّمَانِ بِالسَّفَرِ قَوْلَهُ: (إلَّا إذَا) أَرَادَ سَفَرًا، وَ (وَقَعَ حَرِيقٌ) أَوْ نَهْبٌ (أَوْ غَارَةٌ وَعَجَزَ) عِنْدَ ذَلِكَ (عَمَّنْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ كَمَا) أَيْ بِالتَّرْتِيبِ الَّذِي (سَبَقَ) فَلَا يَضْمَنُ لِقِيَامِ الْعُذْرِ، بَلْ يَلْزَمُهُ السَّفَرُ بِهَا فِي حَالَةِ الْخَوْفِ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يُسَافِرْ بِهَا كَانَ مُضَيِّعًا لَهَا. قَالَ الشَّيْخَانِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ احْتِمَالُ الْهَلَاكِ فِي الْحَضَرِ أَقْرَبَ مِنْهُ فِي السَّفَرِ فَلَهُ السَّفَرُ بِهَا، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الدَّارِمِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ وَهُوَ حَسَنٌ.
تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ: الْعُذْرُ الْمَذْكُورُ، وَالْعَجْزُ عَمَّنْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْعَجْزُ كَافٍ، فَلَوْ سَافَرَ بِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ حَرِيقٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الْأَصَحِّ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ عَنْ مَصَالِحِهِ وَتَنْفِرَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ، فَإِنْ حَدَثَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ خَوْفٌ أَقَامَ بِهَا، فَإِنْ هَجَمَ عَلَيْهِ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ فَطَرَحَهَا بِمَضْيَعَةٍ لِيَحْفَظَهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ، وَكَذَا لَوْ دَفَنَهَا خَوْفًا مِنْهُمْ عِنْدَ إقْبَالِهِمْ، ثُمَّ أَضَلَّ مَوْضِعَهَا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْهُ فَتَصِيرَ مَضْمُونَةً عَلَى آخِذِهَا (وَالْحَرِيقُ وَالْغَارَةُ فِي الْبُقْعَةِ وَإِشْرَافُ الْحِرْزِ عَلَى الْخَرَابِ) وَلَمْ يَجِدْ حِرْزًا هُنَاكَ يَنْقِلُهَا إلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْأَعْذَارِ (أَعْذَارٌ كَالسَّفَرِ) فِي جَوَازِ الْإِيدَاعِ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute