للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَجِزْيَةٍ وَعُشْرِ تِجَارَةٍ وَمَا جَلَوْا عَنْهُ خَوْفًا وَمَالِ مُرْتَدٍّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ وَذِمِّيٍّ مَاتَ بَلَا وَارِثٍ فَيُخَمَّسُ.

وَخُمْسُهُ لِخَمْسَةٍ: أَحَدُهَا مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَالثُّغُورِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ

ــ

[مغني المحتاج]

يَصْدُقُ بِانْتِفَاءِ الْمَجْمُوعِ وَبِانْتِفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، وَالْمُرَادُ هُوَ الثَّانِي، فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ كَافٍ فِي حُصُولِ اسْمِ الْغَنِيمَةِ فَلَا يَكُونُ فَيْئًا حَتَّى تَنْتَفِيَ الثَّلَاثَةُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَلَا إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ.

وَأَجَابَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْهُ بِأَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ الْفَيْءُ مَا حَصَلَ عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَالْأَعَمُّ إذَا انْتَفَى يَنْتَفِي الْأَخَصُّ لِانْتِفَاءِ الْإِنْسَانِ بِانْتِفَاءِ الْحَيَوَانِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا يَظْهَرُ كَوْنُ الْوَاوِ بِمَعْنَى أَوْ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ فِي حَدِّ الْغَنِيمَةِ. وَأَمَّا فِي جَانِبِ النَّفْيِ فِي حَدِّ الْفَيْءِ فَالْوَاوُ عَلَى بَابِهَا، وَالْمُرَادُ انْتِفَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا أَظْهَرُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنْوَاعًا سِتَّةً مِنْ الْفَيْءِ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (كَجِزْيَةٍ وَعُشْرِ تِجَارَةٍ) مِنْ كُفَّارٍ شُرِطَتْ عَلَيْهِمْ إذَا دَخَلُوا دَارَنَا، وَخَرَاجٍ ضُرِبَ عَلَيْهِمْ عَلَى اسْمِ جِزْيَةٍ (وَمَا جَلَوْا) أَيْ تَفَرَّقُوا (عَنْهُ خَوْفًا) مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ (وَمَالِ مُرْتَدٍّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ) عَلَى الرِّدَّةِ (وَذِمِّيٍّ) أَوْ نَحْوِهِ (مَاتَ بَلَا وَارِثٍ) أَوْ تَرَكَ وَارِثًا غَيْرَ حَائِزٍ.

تَنْبِيهٌ: هَذَا التَّعْرِيفُ لَيْسَ بِجَامِعٍ فَإِنَّ الْمَالَ يُخْرِجُ الِاخْتِصَاصَاتِ مَعَ أَنَّهَا فَيْءٌ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ قَالَ: مَا حَصَلَ كَانَ أَوْلَى، وَلَيْسَ بِمَانِعٍ لِدُخُولِ مَا حَصَلَ مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَلُقَطَةٍ فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ لَا فَيْءٌ وَمَا أَهْدَوْهُ لَنَا فِي غَيْرِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفَيْءٍ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ بَلْ هُوَ لِمَنْ أَهْدَى لَهُ، وَأَمَّا مَا أَهْدَوْهُ لَنَا وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ فَهُوَ غَنِيمَةٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الْخَوْفِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ الْمَالُ الَّذِي جَلَوْا عَنْهُ لِضُرٍّ أَصَابَهُمْ أَوْ صُولِحُوا عَلَيْهِ بَلَا قِتَالٍ فَإِنَّهُ فَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَوْفٌ.

ثُمَّ أَشَارَ لِحُكْمِ الْفَيْءِ بِقَوْلِهِ: (فَيُخَمَّسُ) جَمِيعُهُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ مُتَسَاوِيَةٍ كَالْغَنِيمَةِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ قَالُوا: لَا يُخَمَّسُ بَلْ جَمِيعُهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. لَنَا قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: ٧] الْآيَةَ، فَأَطْلَقَ هَهُنَا، وَقَيَّدَ فِي الْغَنِيمَةِ فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ، وَهُوَ رُجُوعُ الْمَالِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ بِالْقِتَالِ وَعَدَمِهِ كَمَا حَمَلْنَا الرَّقَبَةَ فِي الظِّهَارِ عَلَى الْمُؤْمِنَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَسِّمُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ وَخُمْسَ خُمْسِهِ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورِينَ مَعَهُ فِي الْآيَةِ خُمْسُ خُمْسٍ. وَأَمَّا بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصْرَفُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ لِمَصَالِحِنَا، وَمِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لِلْمُرْتَزِقَةِ كَمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ.

(وَخُمْسُهُ) أَيْ الْفَيْءِ (لِخَمْسَةٍ) فَالْقِسْمَةُ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ (أَحَدُهَا: مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ) فَلَا يُصْرَفُ مِنْهُ شَيْءٌ لِكَافِرٍ، ثُمَّ مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ لِلْمَصَالِحِ بِقَوْلِهِ: (كَالثُّغُورِ) جَمْعُ ثَغْرٍ: أَيْ سَدُّهَا وَشَحْنُهَا بِالْعَدَدِ. وَالْمُقَاتِلَةُ، وَهِيَ مَوَاضِعُ الْخَوْفِ مِنْ أَطْرَافِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ الَّتِي تَلِيهَا بِلَادُ الْمُشْرِكِينَ فَيَخَافُ أَهْلُهَا مِنْهُمْ، وَكَعَمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْحُصُونِ (وَ) أَرْزَاقِ (الْقُضَاةِ) الْأَئِمَّةِ (وَالْعُلَمَاءِ) بِعُلُومٍ تَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، كَتَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَطَلَبَةِ هَذِهِ الْعُلُومِ

تَنْبِيهٌ: نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْعُلَمَاءِ عَلَى كُلِّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>