للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمِسْكِينُ: مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيهِ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ مُتَبَرِّعٍ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ. قَالَ ابْنُ قَاضِي عَجْلُونَ فِي تَصْحِيحِهِ قَوْلُ الْمِنْهَاجِ فِي الْمَكْفِيِّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ فَقِيرًا يُخَالِفُ تَعْبِيرَ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ، وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ هَذَا الثَّانِي اهـ.

وَجْهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخِي: أَنَّ الْفَقِيرَ هُوَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ إلَخْ، وَهُوَ شَامِلٌ لِهَذَا، فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ، لَكِنَّا أَنْزَلْنَاهُ مَنْزِلَةَ الْغَنِيِّ لِكَوْنِهِ مَكْفِيًّا فَلَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ، فَالتَّعْبِيرُ بَلَا يُعْطَى أَوْلَى.

وَيُعْطِي الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ وَالْمُؤَلَّفَةِ، وَمِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ، لَا إنْ سَافَرَتْ مَعَهُ بِإِذْنٍ أَوْ دُونَهُ أَوْ وَحْدَهَا بَلَا إذْنٍ فَلَا يُعْطِيهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا فِي الْأُولَى وَإِنْ انْتَفَى الْإِذْنُ مَكْفِيَّةٌ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَاصِيَةٌ، وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا فِي الرُّجُوعِ إلَيْهِ لِرُجُوعِهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا، كَأَنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهِ أُعْطِيت مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ بَاقِي كِفَايَتِهَا لِحَاجَةِ السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا كَأَنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا أُعْطِيت كِفَايَتَهَا مِنْهُ، وَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بَلَا إذْنٍ أُعْطِيت هِيَ وَالْعَاصِي بِالسَّفَرِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ، بِخِلَافِ النَّاشِزَةِ الْمُقِيمَةِ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى الْغِنَى بِالطَّاعَةِ، فَأَشْبَهَتْ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ، وَالْمُسَافِرَةُ لَا تَقْدِرُ عَلَى الْعَوْدِ فِي الْحَالِ، وَلِلزَّوْجَةِ إعْطَاءُ زَوْجِهَا الْحُرِّ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ، بَلْ يُسَنُّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا أَنَّهُ مَكْفِيٌّ بِنَفَقَةِ قَرِيبِهِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّ نَفَقَتَهُ لَا تَجِبُ عَلَى قَرِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَالْمِسْكِينُ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ) لَائِقٍ بِهِ حَلَالٍ (يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ) لِمَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَلْبَسِهِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْفَقِيرِ (وَلَا يَكْفِيهِ) ذَلِكَ الْمَالُ أَوْ الْكَسْبُ كَمَنْ يَحْتَاجُ إلَى عَشَرَةٍ وَلَا يَجِدُ إلَّا سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَا يَمْلِكُهُ نِصَابًا أَمْ لَا كَمَا مَرَّ فِي الْفَقِيرِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: الْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِي لَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ فَقَدْ يَمْلِكُ أَلْفَ دِينَارٍ وَهُوَ مِسْكِينٌ، وَقَدْ لَا يَمْلِكُ إلَّا فَأْسًا وَحَبْلًا وَهُوَ غَنِيٌّ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ بَلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ.

تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ خِلَافًا لِمَنْ عَكَسَ، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: ٧٩] [الْكَهْفُ] حَيْثُ سُمِّيَ مَالِكِيهَا مَسَاكِينَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ يَمْلِكُ شَيْئًا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ، وَبِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا» مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الْفَقْرِ، وَالْعِبْرَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كِفَايَةُ الْعُمْرِ الْغَالِبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْطَى كِفَايَةَ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ: كِفَايَةَ سَنَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُعْطَى كِفَايَةَ سَنَةٍ، وَخَرَجَ بِلَائِقٍ بِهِ وَحَلَالٍ غَيْرُ اللَّائِقِ بِهِ وَالْحَرَامُ فَهُوَ كَمَنْ لَا كَسْبَ لَهُ، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>