للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَكَافِرٍ.

وَدَفْعُهَا سِرًّا.

وَفِي رَمَضَانَ.

ــ

[مغني المحتاج]

فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ (وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ) وَلَوْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقِيلَ لَهُ: أَتَشْرَبُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ.

وَمِثْلُهُمْ مَوْلَاهُمْ بَلْ أَوْلَى، لَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَظْهَرِ تَشْرِيفًا لَهُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَنِيٍّ» وَفِيهِ: «لَعَلَّهُ أَنْ يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ» . قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ التَّنَزُّهُ عَنْهَا، وَيُكْرَهُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِأَخْذِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُكْرَهُ لَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا إنْ أَظْهَرَ الْفَاقَةَ، «وَعَلَيْهِ حَمَلُوا خَبَرَ الَّذِي مَاتَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَتَرَكَ دِينَارَيْنِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَيَّتَانِ مِنْ نَارٍ» ، وَالْمُرَادُ بِالْغَنِيِّ هُوَ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ الزَّكَاةِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ دِينَارَيْنِ، وَهَذَا لَيْسَ غِنَى الزَّكَاةِ.

أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ وَصَلَ الْعُمْرَ الْغَالِبَ، أَوْ كَانَ غِنَاهُ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ، أَوْ كَسْبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَقَدْ تَطَرَّقَ إلَيْهِ الِاحْتِمَالُ فَسَقَطَ بِهِ الِاسْتِدْلَال كَمَا هُوَ مِنْ قَوَاعِدِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَيُعْتَبَرُ فِي حِلِّهَا لَهُ أَنْ لَا يَظُنَّ الدَّافِعُ فَقْرَهُ. فَإِنْ أَعْطَاهُ ظَانًّا حَاجَتَهُ، فَفِي الْإِحْيَاءِ إنْ عَلِمَ الْآخِذُ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ أَوْ صَلَاحِهِ أَوْ نَسَبِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالْوَصْفِ الْمَظْنُونِ (وَ) تَحِلُّ لِشَخْصٍ (كَافِرٍ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» وَأَمَّا حَدِيثُ: «لَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إلَّا تَقِيٌّ» أُرِيدَ بِهِ الْأَوْلَى.

تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ الْكَافِرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَا فِي الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ.

وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ لَهُ عَهْدٌ أَوْ ذِمَّةٌ، أَوْ قَرَابَةٌ، أَوْ يُرْجَى إسْلَامُهُ، أَوْ كَانَ بِأَيْدِينَا بِأَسْرٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا، وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ، وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ.

(وَدَفْعُهَا سِرًّا) أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا جَهْرًا لِآيَةِ: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: ٢٧١] : وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي خَبَرِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَدْرِيَ شِمَالُهُ مَا أَنْفَقَتْ يَمِينُهُ» نَعَمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَأَظْهَرَهَا لِيُقْتَدَى بِهِ مِنْ غَيْرِ رِيَاءٍ وَلَا سَمَعَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ.

(وَ) دَفْعُهَا (فِي رَمَضَانَ) أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا فِي غَيْرِهِ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ» وَلِأَنَّ الْفُقَرَاءَ فِيهِ يَضْعُفُونَ وَيَعْجِزُونَ عَنْ الْكَسْبِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ، وَتَتَأَكَّدُ فِي الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ كَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَأَيَّامِ الْعِيدِ، وَكَذَا فِي الْأَمَاكِنِ الشَّرِيفَةِ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَفِي الْغَزْوِ وَالْحَجِّ، وَعِنْدَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ كَالْكُسُوفِ وَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>