للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[مغني المحتاج]

الْحَنَفِيَّةُ: لَمْ يَرِدْ النِّكَاحُ فِي الْقُرْآنِ إلَّا بِمَعْنَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ بِمَعْنَى الْوَطْءِ مِنْ بَابِ التَّصْرِيحِ، وَمَنْ أَرَادَ بِهِ الْكِنَايَةَ عَنْهُ أَتَى بِلَفْظِ الْمُلَامَسَةِ أَوْ الْمُمَاسَّةِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً} [النور: ٣] فَالْمُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ حَقِيقَةً فِي الْجِمَاعِ وَيُكَنَّى بِهِ عَنْ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ يُسْتَقْبَحُ مِنْ ذِكْرِهِ كَمَا يُسْتَقْبَحُ مِنْ فِعْلِهِ، وَالْعَقْدُ لَا يُسْتَقْبَحُ: أَيْ فَلَا يُكَنَّى بِالْأَقْبَحِ عَنْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْ الْوَطْءِ؛ إذْ يُقَالُ فِي الزِّنَا: سِفَاحٌ لَا نِكَاحٌ، وَيُقَالُ فِي السُّرِّيَّةِ: لَيْسَتْ مُزَوَّجَةً وَلَا مَنْكُوحَةً، وَصِحَّةُ النَّفْيِ دَلِيلُ الْمَجَازِ.

وَالثَّالِثُ: حَقِيقَةٌ فِيهِمَا بِالِاشْتِرَاكِ كَالْعَيْنِ، وَحُمِلَ عَلَى هَذَا النَّهْيُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢٢١] عَنْ الْعَقْدِ وَعَنْ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مَعًا عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ تَظْهَرُ فِيمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ عِنْدَهُمْ لَا عِنْدَنَا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَفِيمَا لَوْ عُلِّقَ الطَّلَاقُ عَلَى النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْعَقْدِ عِنْدَنَا لَا الْوَطْءِ إلَّا إنْ نَوَى، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الطَّلَاقِ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ، وَكَذَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهَلْ هُوَ مِلْكٌ أَوْ إبَاحَةٌ؟ وَجْهَانِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ، وَفِيمَا لَوْ وُطِئَتْ الزَّوْجَةُ بِشُبْهَةٍ إنْ قُلْنَا مِلْكٌ فَالْمَهْرُ لَهُ وَإِلَّا فَلَهَا، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ الْحِنْثِ فِي الْأُولَى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ؛ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الزَّوْجِيَّةُ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَالْمَهْرُ لَهَا، فَظَهَرَ أَنَّ الرَّاجِحَ هُوَ الثَّانِي، وَهَلْ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ أَوْ الْمَرْأَةُ فَقَطْ؟ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا الثَّانِي، وَالْأَصْلُ فِي حِلِّهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، فَمِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] وقَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] وَمِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا» رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا.

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ امْرَأَةً صَالِحَةً فَقَدْ أَعَانَهُ عَلَى شَطْرِ دِينِهِ» أَيْ لِأَنَّ الْفَرْجَ وَاللِّسَانَ لَمَّا اسْتَوَيَا فِي إفْسَادِ الدِّينِ جُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ شَطْرًا. قَالَ الْأَطِبَّاءُ: وَمَقَاصِدُ النِّكَاحِ ثَلَاثَةٌ: حِفْظُ النَّسْلِ، وَإِخْرَاجُ الْمَاءِ الَّذِي يَضُرُّ احْتِبَاسُهُ وَنَيْلُ اللَّذَّةِ، وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ هِيَ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ؛ إذْ لَا تَنَاسُلَ هُنَاكَ وَلَا احْتِبَاسَ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالنِّكَاحُ شُرِعَ مِنْ عَهْدِ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَمَرَّتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ، بَلْ هُوَ مُسْتَمِرٌّ فِي الْجَنَّةِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِيمَا يُتَعَبَّدُ بِهِ مِنْ الْعَقْدِ بَعْدَ الْإِيمَانِ. قَالَ: قُلْتُ: ذَلِكَ بِفَتْحِ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ. اهـ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ أَصْحَابِنَا بِتَخْصِيصِ هَذَا الْكِتَابِ بِذِكْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>