للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُسْتَحَبُّ دَيِّنَةٌ بِكْرٌ نَسِيبَةٌ لَيْسَتْ قَرَابَةً قَرِيبَةً،

ــ

[مغني المحتاج]

(وَيُسْتَحَبُّ دَيِّنَةٌ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا - أَيْ وَهُوَ زِيَادَةُ النَّسَبِ - وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» أَيْ اسْتَغْنَتْ إنْ فَعَلْتَ أَوْ افْتَقَرْتَ إنْ خَالَفْتَ، وَالْمُرَادُ بِالدِّينِ الطَّاعَاتُ وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَاتُ وَالْعِفَّةُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ (بِكْرٌ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «هَلَّا أَخَذْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ: «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا - أَيْ أَلْيَنُ كَلِمَةً - وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا - أَيْ أَكْثَرُ أَوْلَادًا - وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» . وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: " كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ حَتَّى يَسْتَشِيرَ مِائَةَ نَفْسٍ، وَأَنَّهُ اسْتَشَارَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَجُلًا وَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: بَقِيَ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يَطْلُعُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ فَآخُذُ بِقَوْلِهِ وَلَا أَعْدُوهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ؛ إذْ طَلَعَ عَلَيْهِ رَجُلٌ رَاكِبٌ قَصَبَةً فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ، فَقَالَ لَهُ النِّسَاءُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدَةٌ لَكَ، وَوَاحِدَةٌ عَلَيْكَ، وَوَاحِدَةٌ لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ، فَالْبِكْرُ لَك، وَذَاتُ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِكَ عَلَيْكَ، وَالثَّيِّبُ لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ: أَطْلِقْ الْجَوَادَ، فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي بِقِصَّتِك، فَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ مَاتَ قَاضِينَا، فَرَكِبْتُ هَذِهِ الْقَصَبَةَ وَتَبَاهَلْتُ لِأَخْلُصَ مِنْ الْقَضَاءِ ".

قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: وَكَمَا يُسْتَحَبُّ نِكَاحُ الْبِكْرِ يُسَنُّ أَنْ لَا يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ إلَّا مِنْ بِكْرٍ لَمْ يَتَزَوَّجْ قَطُّ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ جُبِلَتْ عَلَى الْإِينَاسِ بِأَوَّلِ مَأْلُوفٍ، وَلِهَذَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَدِيجَةَ: إنَّهَا أَوَّلُ نِسَائِي» (نَسِيبَةٌ) أَيْ طَيِّبَةُ الْأَصْلِ، لِمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: " وَلِحَسَبِهَا ". وَأَمَّا خَبَرُ: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَلَا تَضَعُوهَا إلَّا فِي الْأَكْفَاءِ» فَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَهُ أَسَانِيدُ فِيهَا مَقَالٌ، وَلَكِنْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (لَيْسَتْ قَرَابَةً قَرِيبَةً) هَذَا مِنْ نَفْيِ الْمَوْصُوفِ الْمُقَيَّدِ بِصِفَةٍ فَيَصْدُقُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ. وَهِيَ أَوْلَى مِنْهَا، وَاسْتَدَلَّ الرَّافِعِيُّ لِذَلِكَ تَبَعًا لِلْوَسِيطِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَنْكِحُوا الْقَرَابَةَ الْقَرِيبَةَ، فَإِنَّ الْوَلَدَ يُخْلَقُ ضَاوِيًا» أَيْ نَحِيفًا، وَذَلِكَ لِضَعْفِ الشَّهْوَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يَجِيءُ كَرِيمًا عَلَى طَبْعِ قَوْمِهِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَمْ أَجِدْ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا مُعْتَمَدًا. قَالَ السُّبْكِيُّ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ هَذَا الْحُكْمُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ. وَقَدْ زَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا بِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَهِيَ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ. اهـ.

وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْقَرِيبَةِ أَوْلَى هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، لَكِنْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُزَوِّجَ مِنْ عَشِيرَتِهِ، وَعَلَّلَهُ الزَّنْجَانِيُّ بِأَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ اتِّصَالُ الْقَبَائِلِ لِأَجْلِ التَّعَاضُدِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ. اهـ.

وَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>