وَكَذَا يُزَوِّجُ إذَا عَضَلَ الْقَرِيبُ وَالْمُعْتِقُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَضْلُ إذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ إلَى كُفْءٍ
ــ
[مغني المحتاج]
وَإِنْ رَضِيَتْ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ. وَقَالَ الْغَزِّيُّ: وَالْأَصَحُّ فِي الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ بِمَا حَكَمَ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، فَقِيَاسُهُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ. اهـ.
وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِالْخَاطِبِ فَلَمْ يَكُنْ حُضُورُهُ مُؤَثِّرًا فِي جَوَازِ الْحُكْمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ لِحَاضِرٍ عَلَى غَائِبٍ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ حَاضِرٌ وَالْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِهِ (وَكَذَا يُزَوِّجُ) السُّلْطَانُ (إذَا عَضَلَ) النَّسِيبُ (الْقَرِيبُ) وَلَوْ مُجْبِرًا، أَيْ امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا هُوَ (وَالْمُعْتِقُ) وَعَصَبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا امْتَنَعُوا مِنْ وَفَائِهِ وَفَّاهُ الْحَاكِمُ، وَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ جَزْمًا، وَهَذَا مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْعَضْلُ دُونَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ.
فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ، وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الشَّهَادَاتِ وَإِلَّا فَلَا يُفَسَّقُ بِذَلِكَ، وَهَلْ الْمُرَادُ مَا قَالَاهُ هُنَا بِالْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ الْأَنْكِحَةُ، أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَرَضِ الْحَاكِمِ وَلَوْ فِي نِكَاحٍ وَاحِدٍ؟ . قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فِيهِ نَظَرٌ اهـ وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي، وَوَقَعَ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَضْلَ كَبِيرَةٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْخُطَّةِ حَاكِمٌ. وَقِيلَ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا إذَا جَوَّزْنَا التَّحْكِيمَ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إذَا عَضَلَ الْوَلِيُّ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَحْسَنَ لِشُمُولِهِ لِعَصَبَةِ الْمُعْتِقِ كَمَا زِدْتُهُ، وَهَلْ السُّلْطَانُ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ أَوْ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ، وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْقَاضِي نِكَاحَ مَنْ غَابَ عَنْهَا وَلِيُّهَا إنْ قُلْنَا بِالْوِلَايَةِ زَوَّجَهَا أَحَدُ نُوَّابِهِ أَوْ قَاضٍ آخَرَ أَوْ بِالنِّيَابَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا وَلِيَّانِ وَالْأَقْرَبُ غَائِبٌ إنْ قُلْنَا بِالْوِلَايَةِ قُدِّمَ عَلَيْهِ الْحَاضِرُ أَوْ بِالنِّيَابَةِ فَلَا، وَأَفْتَى الْبَغَوِيّ بِالْأَوَّلِ وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ، وَصَحَّحَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ لِلْغَيْبَةِ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ، وَهَذَا أَوْجَهُ.
تَنْبِيهٌ: اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا فِي تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ عَلَى صُورَتَيْنِ وَذَكَرَ بَعْدَ أَنْ يُزَوِّجَ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَإِحْرَامِهِ وَإِرَادَتِهِ تَزْوِيجَ مُوَلِّيَتِهِ وَلَا مُسَاوٍ لَهُ فِي الدَّرَجَةِ، وَالْمَجْنُونَةُ وَالْبَالِغَةُ عِنْدَ فَقْدِ الْمُجْبِرِ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يُزَوِّجُ فِيهَا الْحَاكِمُ فِي أَبْيَاتٍ فَقَالَ:
وَتُزَوِّجُ الْحُكَّامُ فِي صُوَرٍ أَتَتْ ... مَنْظُومَةً تَحْكِي عُقُودَ جَوَاهِرِ
عَدَمُ الْوَلِيِّ وَفَقْدُهُ وَنِكَاحُهُ ... وَكَذَاكَ غَيْبَتُهُ مَسَافَةَ قَاصِرِ
وَكَذَاكَ إغْمَاءٌ وَحَبْسٌ مَانِعٌ ... أَمَةً لِمَحْجُورٍ تَوَارِي الْقَادِرِ
إحْرَامُهُ وَتَعَزُّزٌ مَعَ عَضْلِهِ ... إسْلَامُ أُمِّ الْفَرْعِ وَهِيَ لِكَافِرِ
فَأَهْمَلَ النَّاظِمُ تَزْوِيجَ الْمَجْنُونَةِ الْبَالِغَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ عِنْدَ إغْمَاءِ الْوَلِيِّ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَضْلُ) مِنْ الْوَلِيِّ (إذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ) رَشِيدَةً كَانَتْ أَوْ سَفِيهَةً (إلَى كُفْءٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute