تَحْرُمُ الْأُمَّهَاتُ، وَكُلُّ مَنْ وَلَدَتْك أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَكَ فَهِيَ أُمُّك، وَالْبَنَاتُ، وَكُلُّ مَنْ وَلَدْتَهَا أَوْ وَلَدْتَ مَنْ وَلَدَهَا فَبِنْتُك.
ــ
[مغني المحتاج]
مَوَانِعِ النِّكَاحِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الرَّوْضَةِ، وَهِيَ قِسْمَانِ: مُؤَبَّدٌ، وَغَيْرُ مُؤَبَّدٍ، وَمِنْ الْأَوَّلِ - وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ - اخْتِلَافُ الْجِنْسِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْآدَمِيِّ نِكَاحُ جِنِّيَّةٍ كَمَا قَالَهُ الْعِمَادُ بْنُ يُونُسَ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافًا لِلْقَمُولِيِّ. قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: ١٨٩] [الْأَعْرَاف] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: ١] [النِّسَاء] . وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مَرْفُوعًا: «نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ» وَالْمُؤَبَّدُ غَيْرُ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَهُ أَسْبَابٌ ثَلَاثَةٌ: قَرَابَةٌ، وَرَضَاعٌ، وَمُصَاهَرَةٌ، وَلِضَابِطِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالنَّسَبِ، وَالرَّضَاعِ ضَابِطَانِ: الْأَوَّلُ: تَحْرُمُ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ إلَّا مَنْ دَخَلَتْ تَحْتَ وَلَدِ الْعُمُومَةِ أَوْ وَلَدِ الْخُؤُولَةِ.
وَالثَّانِي: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُصُولُهُ وَفُصُولَهُ وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ، فَالْأُصُولُ: الْأُمَّهَاتُ، وَالْفُصُولُ الْبَنَاتُ، وَفُصُولُ أَوَّلِ الْأُصُولِ الْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ. وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ: الْعَمَّاتُ، وَالْخَالَاتُ. وَالضَّابِطُ الثَّانِي لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ، وَالْأَوَّلُ لِتِلْمِيذِهِ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ أَرْجَحُ لِإِيجَازِهِ وَنَصِّهِ عَلَى الْإِنَاثِ، بِخِلَافِ الثَّانِي وَلِمَجِيئِهِ عَلَى نَمَطِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ} [الأحزاب: ٥٠] [الْأَحْزَاب] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُنَّ مِنْ الْأَقَارِبِ مَمْنُوعٌ. وَقَدْ بَدَأَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَيَحْرُمُ بِهَا سَبْعٌ. وَقَدْ شَرَعَ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا، فَقَالَ: (تَحْرُمُ الْأُمَّهَاتُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ أُمٍّ، وَأَصْلُهَا أُمَّهَةٌ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَنْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ جَمْعُ أُمَّهَةٍ أَصْلُ أُمٍّ فَقَدْ تَسَمَّحَ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الرَّدِّ عَلَى الشَّارِحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْجَوْهَرِيَّ وَقَعَ لَهُ عِبَارَتَانِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ، وَالْأُمَّاتُ لِلْبَهَائِمِ. وَقَالَ آخَرُونَ: يُقَالُ فِيهِمَا أُمَّهَاتٌ وَأُمَّاتٌ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ فِي النَّاسِ، وَالثَّانِي أَكْثَرُ فِي غَيْرِهِمْ، وَيُمْكِنُ رَدُّ الْأَوَّلِ إلَى هَذَا، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيرُ ذَلِكَ آخِرَ الْكِتَابِ.
وَالْمُرَادُ تَحْرِيمُ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ، وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الْبَاقِي (وَ) ضَابِطُ الْأُمِّ هُوَ (كُلُّ مَنْ وَلَدَتْك) فَهِيَ أُمُّك حَقِيقَةً (أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَكَ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، كَأُمِّ الْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ وَأُمُّ الْأُمِّ كَذَلِكَ (فَهِيَ أُمُّك) مَجَازًا، وَإِنْ شِئْت قُلْت كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي إلَيْهَا نَسَبُك بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَهَذَا تَفْسِيرُ الْأُمَّهَاتِ بِالنَّسَبِ وَإِلَّا فَقَدْ يَحْرُمُ النِّكَاحُ بِالْأُمُومَةِ لَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَذَلِكَ فِي زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ فِي الْأُمَّهَاتِ وَفِي بَقِيَّةِ السَّبْعِ الْآتِيَةِ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] [النِّسَاء] الْآيَةَ (وَ) الثَّانِي (الْبَنَاتُ) جَمْعُ بِنْتٍ (وَ) ضَابِطُهَا هُوَ (كُلُّ مَنْ وَلَدْتَهَا) فَبِنْتُك حَقِيقَةً (أَوْ وَلَدْتَ مَنْ وَلَدَهَا) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَبِنْتِ ابْنٍ وَإِنْ نَزَلَ، وَبِنْتِ بِنْتٍ وَإِنْ نَزَلَتْ (فَبِنْتُك) مَجَازًا، وَإِنْ شِئْت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute