أَوْ جُذَامًا أَوْ بَرَصًا، أَوْ وَجَدَهَا رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ.
أَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا أَوْ مَجْنُونًا ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ.
ــ
[مغني المحتاج]
فِي بَعْضِ الزَّمَانِ. أَمَّا الْإِغْمَاءُ بِالْمَرَضِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ كَسَائِرِ الْأَمْرَاضِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا تَحْصُلُ مِنْهُ الْإِفَاقَةُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، أَمَّا الْمَأْيُوسُ مِنْ زَوَالِهِ فَكَالْجُنُونِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَكَذَا إنْ بَقِيَ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ الْمَرَضِ فَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَالْجُنُونِ، وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْخَبَلَ بِالْجُنُونِ، وَالْإِصْرَاعُ نَوْعٌ مِنْ الْجُنُونِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ (أَوْ) وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ (جُذَامًا) وَهُوَ عِلَّةٌ يَحْمَرُّ مِنْهَا الْعُضْوُ ثُمَّ يَسْوَدُّ ثُمَّ يَتَقَطَّعُ وَيَتَنَاثَرُ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي كُلِّ عُضْوٍ لَكِنَّهُ فِي الْوَجْهِ أَغْلَبُ (أَوْ بَرَصًا) وَهُوَ بَيَاضٌ شَدِيدٌ يُبَقِّعُ الْجِلْدَ وَيُذْهِبُ دَمَوِيَّتَهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا مَرَّ. هَذَا إذَا كَانَا مُسْتَحْكِمَيْنِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ أَوَائِلِ الْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ قَالَ: وَالِاسْتِحْكَامُ فِي الْجُذَامِ يَكُونُ بِالتَّقَطُّعِ وَتَرَدَّدَ الْإِمَامُ فِيهِ وَجَوَّزَ الِاكْتِفَاءَ بِاسْوِدَادِهِ، وَحَكَمَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِاسْتِحْكَامِ الْعِلَّةِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْجُنُونِ الِاسْتِحْكَامَ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْجُنُونَ يُفْضِي إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى الزَّوْجِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ فَسْخُ الْمَرْأَةِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهَا إنْ عَلِمَتْ بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ التَّنَقِّي مِنْ الْعُيُوبِ شَرْطٌ فِي الْكَفَاءَةِ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إذَا عُدِمَ التَّكَافُؤُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا غَفْلَةٌ عَنْ قِسْمٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا إذَا أَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ مِنْ مُعَيَّنٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ سَلِيمٌ فَإِذَا هُوَ مَعِيبٌ، فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ النِّكَاحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي بَابِ التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِذَلِكَ ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجَةِ، فَقَالَ (أَوْ وَجَدَهَا) الزَّوْجُ (رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ) بِأَنْ انْسَدَّ مَحَلُّ الْجِمَاعِ مِنْهَا فِي الْأَوَّلِ بِلَحْمٍ وَبِالثَّانِي بِعَظْمٍ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ بِلَحْمٍ وَعَلَيْهِ فَالرَّتَقُ وَالْقَرَنُ وَاحِدٌ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ إجْبَارُ الرَّتْقَاءِ عَلَى شَقِّ الْمَوْضِعِ وَإِنْ شَقَّتْهُ وَأَمْكَنَ الْوَطْءُ فَلَا خِيَارَ، وَلَا تُمَكَّنُ الْأَمَةُ مِنْ الشَّقِّ قَطْعًا إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجِ، فَقَالَ: (أَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا) وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ خَاصَّةً، قِيلَ: سُمِّيَ عِنِّينًا لِلِينِ ذَكَرِهِ وَانْعِطَافِهِ. مَأْخُوذٌ مِنْ عِنَانِ الدَّابَّةِ لِلِينِهِ (أَوْ مَجْبُوبًا) وَهُوَ مَقْطُوعُ جَمِيعِ الذَّكَرِ أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ. أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْهُ مَا يُولِجُ قَدْرَهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَجَوَابُ إذَا الْمُقَدَّرَةِ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ قَوْلُهُ (ثَبَتَ) لِوَاجِدِ الْعَيْبِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ (الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ) كَمَا تَقَرَّرَ. لَكِنْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا سَيَأْتِي، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ قَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَهِيَ الْمُشْتَرِكَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، رَوَاهُ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَفِي الصَّحِيحِ: «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ» قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: وَأَمَّا الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ فَإِنَّهُ: أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْدِي الزَّوْجَ وَيُعْدِي الْوَلَدَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ مِمَّا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ وَالتَّجَارِبِ أَنَّهُ يُعْدِي كَثِيرًا، وَهُوَ مَانِعٌ لِلْجِمَاعِ لَا تَكَادُ نَفْسُ أَحَدٍ أَنْ تَطِيبَ أَنْ يُجَامِعَ مَنْ هُوَ بِهِ، وَالْوَلَدُ قَلَّ مَا يَسْلَمُ مِنْهُ، فَإِنْ سَلِمَ أَدْرَكَ نَسْلَهُ. فَإِنْ قِيلَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute