ثُمَّ قِيلَ: مَعْنَى التَّشْطِيرِ أَنَّ لَهُ خِيَارَ الرُّجُوعِ، وَالصَّحِيحُ عَوْدُهُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ،
ــ
[مغني المحتاج]
كَالْوَجْهَيْنِ فِي التَّشْطِيرِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ. فَهِمَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ التَّصْحِيحَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ لِلْمُتْعَةِ فَقَطْ، وَلِهَذَا عَبَّرَ الْقَمُولِيُّ بِقَوْلِهِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَعَلْتُمْ عَيْبَهَا كَفَسْخِهَا لِكَوْنِهِ سَبَبَ الْفَسْخِ وَلَمْ تَجْعَلُوا عَيْبَهُ كَفَسْخِهِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الزَّوْجَ بَذَلَ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَعِيبَةً فَالْفَسْخُ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ إذْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ حَقُّهُ وَالزَّوْجَةُ لَمْ تَبْذُلْ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِ الزَّوْجِ وَالْعِوَضُ الَّذِي مَلَكَتْهُ سَلِيمٌ، فَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا فَسْخَ لَهَا إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ لَهَا الْفَسْخَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، فَإِذَا اخْتَارَتْهُ لَزِمَهَا رَدُّ الْبَدَلِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ وَشِرَاؤُهَا زَوْجَهَا يُسْقِطُ جَمِيعَ الْمَهْرِ. قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ: لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَمْ يَقْبِضْهُ وَالسَّيِّدُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى رَقِيقِهِ مَالٌ. أَمَّا إذَا كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا وَقَبَضَتْهُ وَأَدَّاهُ الْعَبْدُ مِنْ كَسْبِهِ، أَوْ أَدَّاهُ عَنْهُ السَّيِّدُ مِنْ مَالٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى سَيِّدِهِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا تُشَطَّرُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا عَلَى أَنْ لَا تَشْطِيرَ لَغَا الشَّرْطُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ وَنَفَى الْوَلَاءَ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْحَيَاةِ الْفُرْقَةُ بِالْمَوْتِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَوْتَ مُقَرِّرٌ لِلْمَهْرِ. وَمِنْ صُوَرِ الْمَوْتِ مَا لَوْ مُسِخَ أَحَدُهُمَا حَجَرًا، فَإِنْ مُسِخَ أَحَدُهُمَا حَيَوَانًا، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَفِي التَّدْرِيبِ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْفُرْقَةُ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ لِلزَّوْجِ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ تَمَلُّكِهِ وَلَا لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ حَيٌّ فَيَبْقَى لِلزَّوْجَةِ.
قَالَ: وَيُحْتَمَلُ تَنْزِيلُ مَسْخِهِ حَيَوَانًا بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ اهـ.
وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: فَيَبْقَى لِلزَّوْجَةِ، الْأَوْجَهُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ تَحْتَ يَدِ الْحَاكِمِ حَتَّى يَمُوتَ الزَّوْجُ فَيُعْطَى لِوَارِثِهِ أَوْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ كَمَا كَانَ فَيُعْطَى لَهُ. قَالَ: وَإِنْ مُسِخَتْ الزَّوْجَةُ حَيَوَانًا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا وَعَادَ كُلُّ الْمَهْرِ لِلزَّوْجِ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا تَشْطِيرَ، إذْ لَا مَهْرَ، وَلَا يَرُدُّ قَتْلُ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا أَوْ الزَّوْجِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا ارْتِفَاعُ النِّكَاحِ مَعَ بَقَائِهِمَا. نَعَمْ يُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ مَالِكِهَا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْمَهْرُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَلَا بِسَبَبِهَا كَمَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ زَوْجَةَ أَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ فَوَطِئَهَا مَالِكُهَا أَوْ رَضَعَتْ الْمَالِكَةُ أَمَتَهَا الْمُزَوَّجَةَ الرَّقِيقَ.
(ثُمَّ قِيلَ: مَعْنَى التَّشْطِيرِ أَنَّ لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (خِيَارَ الرُّجُوعِ) فِي النِّصْفِ إنْ شَاءَ رَجَعَ فِيهِ وَتَمَلَّكَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ كَالشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْمِلْكِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ سِوَى الْإِرْثِ، وَهَذَا الْخِيَارُ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ حَيْثُ جَعَلَهُ كَخِيَارِ الْوَاهِبِ (وَالصَّحِيحُ عَوْدُهُ) أَيْ نِصْفِ الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ إلَى الزَّوْجِ (بِنَفْسِ الطَّلَاقِ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ هَذَا إنْ دَفَعَهُ الزَّوْجُ أَوْ وَلِيُّهُ مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ عَنْهُ وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَفِيهٌ وَإِلَّا فَيَعُودُ إلَى الْمُؤَدِّي وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّهُ يَعُودُ لِلزَّوْجِ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الَّذِي أَوْرَدَهُ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَغَيْرُ الطَّلَاقِ مِنْ الصُّوَرِ السَّابِقَةِ كَالطَّلَاقِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا سَلَّمَ الْعَبْدُ الصَّدَاقَ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ أَدَّاهُ السَّيِّدُ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّ النِّصْفَ يَعُودُ إلَى السَّيِّدِ، وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ طَلَّقَ فَالْعَائِدُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْأُولَى، وَلِلْعَتِيقِ فِي الثَّانِيَةِ. أَمَّا إذَا كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا فَعَلَى الصَّحِيحِ يَسْقُطُ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ بِالِاخْتِيَارِ، وَلَوْ أَدَّى الدَّيْنَ وَالْمُؤَدَّى بَاقٍ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute