وَلَوْ أَصْدَقَ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ وَطَلَّقَ قَبْلَهُ، فَالْأَصَحُّ تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ تَلِفَ الصَّدَاقُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِي يَدِهَا فَإِنَّهَا تَضْمَنُهُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَلِفَ تَحْتَ يَدٍ ضَامِنَةٍ كَالْبَيْعِ التَّالِفِ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْفَسْخِ.
فُرُوعٌ: لَوْ أَصْدَقَهَا حُلِيًّا فَكَسَرَتْهُ أَوْ انْكَسَرَ وَأَعَادَتْهُ كَمَا كَانَ ثُمَّ فَارَقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ إلَّا بِرِضَاهَا لِزِيَادَتِهِ بِالصَّنْعَةِ عِنْدَهَا، وَكَذَا لَوْ أَصْدَقَهَا نَحْوَ جَارِيَةٍ هَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ عِنْدَهَا كَعَبْدٍ نَسِيَ صَنْعَةً ثُمَّ تَعَلَّمَهَا عِنْدَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَعَمِيَ عِنْدَهَا، ثُمَّ أَبْصَرَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِغَيْرِ رِضَاهَا كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فِي يَدِهَا ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ ثُمَّ فَارَقَهَا، فَإِنْ لَمْ تَرْضَ الزَّوْجَةُ بِرُجُوعِ الزَّوْجِ فِي الْحُلِيِّ الْمُعَادِ رَجَعَ بِنِصْفِ وَزْنِهِ تِبْرًا وَنِصْفِ قِيمَةِ صَنْعَتِهِ، وَهِيَ أُجْرَةُ مِثْلِهَا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا فِي الْغَصْبِ فِيمَا لَوْ أَتْلَفَ حُلِيًّا، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَ هَذَا الْبَابِ وَبَيْنَ بَابِ الْغَصْبِ بِأَنَّ هُنَاكَ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَكَلَّفْنَاهُ رَدَّ مِثْلِهِ مَعَ الْأُجْرَةِ، وَالْمَرْأَةُ إنَّمَا كَسَرَتْ مِلْكَ نَفْسِهَا فَتَدْفَعُ نِصْفَ قِيمَةِ الْحُلِيِّ بِهَيْئَتِهِ الَّتِي كَانَتْ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا إنَاءَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَكَسَرَتْهُ وَأَعَادَتْهُ أَوْ لَمْ تُعِدْهُ لَمْ يَرْجِعْ مَعَ نِصْفِهِ بِالْأُجْرَةِ، إذْ لَا أُجْرَةَ لِصَنْعَتِهِ، وَلَوْ نَسِيَتْ الْمَغْصُوبَةُ الْغِنَاءَ عِنْدَ الْغَاصِبِ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَإِنْ صَحَّ شِرَاؤُهَا بِزِيَادَةٍ لِلْغِنَاءِ عَلَى قِيمَتِهَا بِلَا غِنَاءٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غِنَاءٍ يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ.
(وَ) اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ كَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَخِيَاطَةٍ وَخِدْمَةٍ وَبِنَاءٍ يَجُوزُ جَعْلُهُ صَدَاقًا كَمَا يَجُوزُ جَعْلُهُ ثَمَنًا فَعَلَى هَذَا (لَوْ أَصْدَقَ) هَا (تَعْلِيمَ قُرْآنٍ) لَهَا بِنَفْسِهِ وَفِي تَعْلِيمِهِ كُلْفَةٌ - لَا كَثَمَّ - نَظَرٌ أَوْ تَعْلِيمُ حَدِيثٍ أَوْ خَطٍّ أَوْ شِعْرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَعْلِيمِهِ (وَطَلَّقَ) أَوْ فَارَقَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَرِدَّتِهِ وَحْدَهُ (قَبْلَهُ) أَيْ التَّعْلِيمِ بَعْدَ دُخُولٍ أَوْ قَبْلَهُ (فَالْأَصَحُّ تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهِ) لِأَنَّهَا صَارَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ اخْتِلَاؤُهُ بِهَا. وَالثَّانِي: لَا يَتَعَذَّرُ بَلْ يُعَلِّمُهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فِي غَيْرِ خَلْوَةٍ إنْ أَمْكَنَ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّا لَا نَأْمَنُ الْوُقُوعَ فِي التُّهْمَةِ وَالْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ لَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ سَمَاعُ الْحَدِيثِ كَذَلِكَ، فَإِنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْهُ لَضَاعَ وَلِلتَّعْلِيمِ بَدَلٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ. اهـ.
فَإِنْ قِيلَ: الْأَجْنَبِيَّةُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهَا لِلتَّعْلِيمِ وَهَذِهِ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، فَهَلَّا جَازَ تَعْلِيمُهَا.
أُجِيبَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ قَدْ تَعَلَّقَتْ آمَالُهُ بِالْآخَرِ، وَحَصَلَ بَيْنَهُمَا نَوْعُ وُدٍّ فَقَوِيَتْ التُّهْمَةُ فَامْتَنَعَ التَّعْلِيمُ لِقُرْبِ الْفِتْنَةِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنَّ قُوَّةَ الْوَحْشَةِ بَيْنَهُمَا اقْتَضَتْ جَوَازَ التَّعْلِيمِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّعْلِيمِ الَّذِي يَجُوزُ النَّظَرُ لَهُ هُوَ التَّعْلِيمُ الْوَاجِبُ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَمَا هُنَا مَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَرَجَّحَ هَذَا السُّبْكِيُّ، وَقِيلَ: التَّعْلِيمُ الَّذِي يَجُوزُ النَّظَرُ لَهُ خَاصٌّ بِالْأَمْرَدِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَرَجَّحَهُ الشَّارِحُ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَعْلِيلُهُمْ السَّابِقُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَحْرُمْ الْخَلْوَةُ بِهَا كَأَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ صَارَتْ مَحْرَمًا لَهُ بِرَضَاعٍ أَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا لَمْ يَتَعَذَّرْ التَّعْلِيمُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعَذُّرِ مَا يَشْمَلُ التَّعَسُّرَ وَإِلَّا فَالتَّعْلِيمُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ بِحَضْرَةِ مَنْ تَزُولُ مَعَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute