للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ قَالَ كُلٌّ: إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ تَعَرَّفَ الْقَاضِي الْحَالَ بِثِقَةٍ يُخْبِرُهُمَا وَمَنَعَ الظَّالِمَ، فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ بَعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا،

ــ

[مغني المحتاج]

أَيْ بَقِيَّةُ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعَزِّرْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ جَوَازَهُ إذَا طَلَبَتْهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إسَاءَةَ الْخُلُقِ تَكْثُرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهَا يُورِثُ وَحْشَةً بَيْنَهُمَا فَيَقْتَصِرُ أَوَّلًا عَلَى النَّهْيِ لَعَلَّ الْحَالَ يَلْتَئِمُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ وَأَسْكَنَهُ بِجَنْبِ ثِقَةٍ يَمْنَعُ الزَّوْجَ مِنْ التَّعَدِّي عَلَيْهَا، وَهَلْ يُحَالُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: يُحَالُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَعُودَ إلَى الْعَدْلِ، وَلَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِي الْعَدْلِ، وَإِنَّمَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهَا وَشَهَادَةُ الْقَرَائِنِ اهـ.

وَفَصَّلَ الْإِمَامُ فَقَالَ: إنْ ظَنَّ الْحَاكِمُ تَعَدِّيَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا وَإِنْ تَحَقَّقَهُ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَخَافَ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا لِكَوْنِهِ جَسُورًا حَالَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ عَدَلَ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّعْزِيرِ لَرُبَّمَا بَلَغَ مِنْهَا مَبْلَغًا لَا يُسْتَدْرَكُ اهـ.

وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَيْلُولَةَ أَرَادَ الْحَالَ الْأَوَّلَ. وَمَنْ ذَكَرَهَا كَالْغَزَالِيِّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ أَرَادَ الثَّانِيَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ الْحَيْلُولَةَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ وَالْإِسْكَانِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَدَّى عَلَيْهَا لَكِنَّهُ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ وَيُعْرِضُ عَنْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَيُسَنُّ لَهَا أَنْ تَسْتَعْطِفَهُ بِمَا يُحِبُّ كَأَنْ تَسْتَرْضِيَهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا كَمَا تَرَكَتْ سَوْدَةُ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ، فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ لَهَا يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ كَمَا أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ إذَا كَرِهَتْ صُحْبَتَهُ لِمَا ذُكِرَ أَنْ يَسْتَعْطِفَهَا بِمَا تُحِبُّ مِنْ زِيَادَةِ نَفَقَةٍ وَنَحْوِهَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا إذَا كَانَ التَّعَدِّي مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ (وَإِنْ قَالَ كُلٌّ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ (إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ) عَلَيْهِ، وَأَشْكَلَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا (تَعَرَّفَ الْقَاضِي الْحَالَ) الْوَاقِعَ بَيْنَهُمَا (بِثِقَةٍ) وَاحِدٍ (يَخْبُرُهُمَا) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ أَوَّلَهُ وَضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَيَكُونُ الثِّقَةُ جَارًا لَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ أَسْكَنَهُمَا فِي جَنْبِ ثِقَةٍ يَتَعَرَّفُ حَالَهُمَا ثُمَّ يُنْهِي إلَيْهِ مَا يَعْرِفُهُ، وَاكْتَفَى هُنَا بِثِقَةٍ وَاحِدٍ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ الرِّوَايَةِ لِمَا فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مِنْ الْعُسْرِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الثِّقَةِ أَنْ يَكُونَ عَدْلَ شَهَادَةٍ بَلْ يَكْفِي عَدْلُ الرِّوَايَةِ. وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ مَنْ تَسْكُنُ النَّفْسُ بِخَبَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا الشَّهَادَةِ (وَ) إذَا تَبَيَّنَ لَهُ حَالُهُمَا (مَنَعَ الظَّالِمَ) مِنْهُمَا مِنْ عَوْدِهِ لِظُلْمِهِ، وَطَرِيقُهُ فِي الزَّوْجِ مَا سَلَفَ، وَفِي الزَّوْجَةِ بِالزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ كَغَيْرِهَا (فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ) بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ الْخِلَافُ وَالْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمَا مَأْخُوذٌ مِنْ الشِّقِّ، وَهُوَ النَّاحِيَةُ، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ صَارَ فِي نَاحِيَةٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ دَامَ بَيْنَهُمَا التَّسَابُّ وَالتَّضَارُبُ وَفَحُشَ ذَلِكَ (بَعَثَ) الْقَاضِي (حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمَا بَعْدَ اخْتِلَاءِ حَكَمِهِ بِهِ وَحَكَمِهَا بِهَا وَمَعْرِفَةِ مَا عِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ، وَلَا يُخْفِي حَكَمٌ عَنْ حَكَمٍ شَيْئًا إذَا اجْتَمَعَا وَيُصْلِحَا بَيْنَهُمَا أَوْ يُفَرِّقَا بِطَلْقَةٍ إنْ عَسُرَ الْإِصْلَاحُ عَلَى مَا يَأْتِي لِآيَةِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: ٣٥] وَالْخِطَابُ فِيهَا لِلْحُكَّامِ، وَقِيلَ: لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْبَعْثُ وَاجِبٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمُهِمَّاتِ الِاسْتِحْبَابَ لِنَقْلِ الْبَحْرِ لَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: بَلْ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ الْوُجُوبُ، وَأَمَّا كَوْنُهُمَا مِنْ أَهْلِهِمَا فَمُسْتَحَبٌّ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ إجْمَاعًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>