للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَصِحُّ طَلَاقُهُ لِيَمْتَنِعَنَّ مِنْ وَطْئِهَا مُطْلَقًا

أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ

ــ

[مغني المحتاج]

وَقَوْلُهُ (يَصِحُّ طَلَاقُهُ) خَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُكْرَهُ، وَدَخَلَ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْخَصِيُّ وَالسَّكْرَانُ الْمُتَعَدَّى بِسُكْرِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ فِي الْجُمْلَةِ لِيَدْخُلَ مَا لَوْ قَالَ: إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَفَرَّعْنَا عَلَى انْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ زَوْجٌ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ إيلَاؤُهُ، وَقَوْلُهُ (لِيَمْتَنِعَنَّ مِنْ وَطْئِهَا) أَيْ وَأَطْلَقَ، فَلَوْ حَلَفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا فِي الدُّبُرِ أَوْ الْحَيْضِ أَوْ، النِّفَاسِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، بَلْ هُوَ مُحْسِنٌ لَا تَضَرُّرَ بِذَلِكَ وَلَا تَطْمَعُ فِي الْوَطْءِ فِيمَا ذَكَرَ؛ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْوَطْءِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ شَرْعًا فَأَكَّدَ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ بِالْحَلِفِ، فَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك إلَّا فِي الدُّبُرِ فَمُولٍ، أَوْ إلَّا فِي الْحَيْضِ، أَوْ النِّفَاسِ، أَوْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ مُولٍ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الذَّخَائِرِ وَلَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الرَّاجِحُ، فَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الذَّخَائِرِ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إنَّهُ الْأَشْبَهُ، وَبِهِ أَفْتَى الْبَغَوِيّ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ وَتُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثُمَّ تُطَالِبُ بَعْدَهَا بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَإِنْ فَاءَ إلَيْهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي الْحَالِ لِزَوَالِ الْمُضَارَّةِ بِهِ وَتُضْرَبُ الْمُدَّةُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ الْمُولِي بَعْدَ الْمُدَّةِ ثُمَّ رَاجَعَ تُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثَانِيًا لِبَقَاءِ الْيَمِينِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَكُونُ مُولِيًا وَبِهِ جَزَمَ السَّرَخْسِيُّ فِي صُورَتَيْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِيهَا حَصَلَتْ الْفَيْئَةُ فَاسْتِثْنَاؤُهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْإِيلَاءِ وَقَوْلُهُ (مُطْلَقًا) نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ امْتِنَاعًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِمُدَّةٍ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا إذَا أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ أَبَدًا

وَقَوْلِهِ (أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي، وَهُوَ الْمُدَّةُ، خَرَجَ بِهِ الْأَرْبَعَةُ فَمَا دُونَهَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَأَلَ: كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ؟ فَقِيلَ: شَهْرَيْنِ، وَفِي الثَّالِثُ يَقِلُّ الصَّبْرُ، وَفِي الرَّابِعِ يَنْفُذُ الصَّبْرُ " أَيْ فَإِذَا نَفَذَ صَبْرُهَا طَالَبَتْ، فَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي زِيَادَةُ " لَحْظَةَ لَا تَسَعُ الْمُطَالَبَةُ "، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَفِي كَلَامِ الرُّويَانِيِّ مَا يُوَافِقُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ عَجِيبٌ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ، وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا بِالْحَلِفِ عَلَى فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِزَمَانٍ يَتَأَتَّى فِيهِ الْمُطَالَبَةُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مَحْمُولٌ عَلَى إثْمِ الْإِيذَاءِ، وَكَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى إثْمِ الْإِيلَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُولٍ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ إثْمَ الْإِيلَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الرَّوْضَةِ

تَنْبِيهٌ: لَيْسَ هَذَا الْحَدُّ بِجَامِعٍ لِعَدَمِ شُمُولَهُ مَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَمُوتِي فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا لِحُصُولِ الْيَأْسِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُطْلِقْ وَلَمْ يَذْكُرْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا مَانِعَ أَيْضًا لِشُمُولِهِ الْعَاجِزِ عَنْ الْوَطْءِ بِنَحْوِ جَبٍّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>