فَالْمَذْهَبُ عَدَمُ إبْطَالِهِ فِي الْحَالِ، فَإِنْ عُلِمَ مُقْتَضِيه أَبْطَلْنَاهُ، وَلَوْ أَبَانَهَا فَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ لَحِقَهُ، أَوْ لِأَكْثَرَ فَلَا.
ــ
[مغني المحتاج]
(فَالْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ (عَدَمُ إبْطَالِهِ) أَيْ النِّكَاحِ (فِي الْحَالِ) لِأَنَّا حَكَمْنَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ظَاهِرًا فَلَا نُبْطِلُهُ بِالشَّكِّ، بَلْ يُوقَفُ (فَإِنْ عُلِمَ مُقْتَضِيهِ) أَيْ الْبُطْلَانِ بِأَنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ (أَبْطَلْنَاهُ) أَيْ حَكَمْنَا بِبُطْلَانِهِ لِتَبَيُّنِ فَسَادِهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَوَقْفِ الْعَقْدِ فِي الْقَدِيمِ فَإِنَّ ذَاكَ وَقْفٌ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَهَهُنَا الْعَقْدُ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ لِمَعْنًى يَظْهَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي إبْطَالِهِ قَوْلَانِ لِلتَّرَدُّدِ فِي انْتِفَاءِ الْمَانِعِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ عُلِمَ انْتِفَاؤُهُ، لَمْ نُبْطِلْهُ، وَلَحِقَ الْوَلَدُ بِالثَّانِي.
تَنْبِيهٌ: هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ، بَلْ لَوْ رَاجَعَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ زَوَالِ الرِّيبَةِ وُقِفَتْ الرَّجْعَةُ، فَإِنْ بَانَ حَمْلٌ بَقِيَتْ الرَّجْعَةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ نُصَّ عَلَيْهِ
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ، وَإِنْ جَرَى فِي النِّكَاحِ قَوْلَانِ (وَلَوْ أَبَانَهَا) بِخُلْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَنْفِ حَمْلَهَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ (فَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ) فَأَقَلَّ مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الْعُلُوقِ قُبَيْلَ الْإِبَانَةِ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ بِغَيْرِهِ (لَحِقَهُ) الْوَلَدُ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَرْبَعُ سِنِينَ، دَلِيلُهُ الِاسْتِقْرَاءُ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ امْرَأَةُ صِدْقٍ وَزَوْجُهَا رَجُلُ صِدْقٍ حَمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَبْطُنٍ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً تَحْمِلُ كُلَّ بَطْنٍ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ غَيْرِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقِيلَ: إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَفِي صِحَّتِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ فَكَيْفَ يُخَالِفُ مَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا مُشْكِلٌ مَعَ كَثْرَةِ الْفَسَادِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَمَّا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ وَاحْتُمِلَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ الْأَوَّلَ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ) وَلَدَتْ (لِأَكْثَرَ) مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ (فَلَا) يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ اللِّعَانِ.
تَنْبِيهٌ: مَا تَقَرَّرَ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُدَّةِ فِي هَذِهِ مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الْعُلُوقِ قُبَيْلَ الْإِبَانَةِ، لَا مِنْ الْإِبَانَةِ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ هُوَ مَا اعْتَمَدَهُ الشَّيْخَانِ حَيْثُ قَالَا: فِيمَا أَطْلَقُوهُ تَسَاهُلٌ، وَالْقَوِيمُ مَا قَالَهُ أَبُو مَنْصُورٍ التَّمِيمِيُّ مُعْتَرِضًا عَلَيْهِمْ بِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْمُدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ الْحَمْلِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ لِتَقَدُّمِ الْعُلُوقِ عَلَى الطَّلَاقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الْعُلُوقِ قُبَيْلَ الْإِبَانَةِ
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَمَا قَالَهُ أَبُو مَنْصُورٍ فِيهِ تَسَاهُلٌ أَيْضًا، فَإِنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَقَعُ مَعَ الْإِنْزَالِ بِالتَّنْجِيزِ اتِّفَاقًا أَوْ بِالتَّعْلِيقِ، فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَصِحُّ مَا قَالُوهُ دُونَ مَا ذَكَرُوهُ، فَظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ لِمَا قَالُوهُ مَحْمَلًا صَحِيحًا وَكَذَا لِمَا قَالَهُ، وَهُوَ مَا عَدَا مَا فَرَضْنَاهُ فَلْيُنَزَّلْ كُلٌّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ الْمُطْلَقَتَيْنِ عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مُرَادَهُمَا بِأَنَّهُ قَوِيمٌ أَيْ أَوْضَحُ مِمَّا قَالُوهُ، وَإِلَّا فَمَا قَالُوهُ صَحِيحٌ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ: لَيْسَ مُرَادُهُمْ بِالْأَرْبَعِ فِيهَا الْأَرْبَعَ مَعَ زَمَنِ وَطْءِ الْوَضْعِ الَّتِي هِيَ مُرَادُهُمْ بِأَنَّهَا أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ، بَلْ مُرَادُهُمْ الْأَرْبَعُ بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ الزِّيَادَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute