للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَضَبْطُهُنَّ بِالْعُرْفِ

ــ

[مغني المحتاج]

«عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» أَيْ يُتْلَى حُكْمُهُنَّ أَوْ يَقْرَؤُهُنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِهِ وَقِيلَ: يَكْفِي رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣]

وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ السُّنَّةَ تُثْبِتُ كَآيَةِ السَّرِقَةِ، وَلَمْ يَأْخُذْ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي هَذَا بِقَاعِدَتِهِ وَهِيَ الْأَخْذُ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنْ لَا يَجِدَ دَلِيلًا سِوَاهُ، وَالسُّنَّةُ نَاصَّةٌ عَلَى الْخَمْسِ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا أَخْبَرَتْ أَنَّ التَّحْرِيمَ بِالْعَشَرَةِ مَنْسُوخٌ بِالْخَمْسِ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِالْخَمْسِ لَا بِمَا دُونَهَا، وَلَوْ وَقَعَ التَّحْرِيمُ بِأَقَلَّ مِنْهَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْخَمْسُ نَاسِخًا وَصَارَ مَنْسُوخًا كَالْعَشْرِ، فَإِنْ قِيلَ: الْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ قُرْآنًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَكِنْ ثَبَتَ حُكْمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، فَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ، وَقِيلَ: يَكْفِي ثَلَاثُ رَضَعَاتٍ لِمَفْهُومِ خَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ» وَإِنَّمَا قُدِّمَ مَفْهُومُ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ عَلَى هَذَا لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ صِفَاتِ الرَّضَعَاتِ بَلْ لَوْ أُوجِرَ مَرَّةً وَسُعِطَ وَارْتَضَعَ مَرَّةً وَأَكَلَ مِمَّا صُنِعَ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ التَّحْرِيمِ بِخَمْسٍ أَنَّ الْحَوَاسَّ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْإِدْرَاكِ خَمْسٌ

تَنْبِيهٌ ضَادُ رَضَعَاتٍ مَفْتُوحَةٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّ فَعْلَةً عَلَمًا كَانَتْ أَوْ مَصْدَرًا تُفْتَحُ عَيْنُهَا فِي الْجَمْعِ، نَحْوُ ظَبَيَاتٍ وَحَسَرَاتٍ، وَإِنْ كَانَتْ صِفَةً سُكِّنَتْ عَيْنُهَا كَعَصْبَاتٍ (وَ) الْخَمْسُ رَضَعَاتٍ (ضَبْطُهُنَّ بِالْعُرْفِ) إذْ لَا ضَابِطَ لَهَا فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>