للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا

بِشَرْطِ يَسَارِ الْمُنْفِقِ

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ: اُسْتُنْبِطَ مِنْ حَدِيثِ هِنْدٍ غَيْرَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حُكْمًا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ النَّقِيبِ وَذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَلَا يَضُرُّ فِيمَا ذُكِرَ اخْتِلَافُ الدِّينِ كَمَا قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا) فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا نَفَقَةُ الْكَافِرِ الْمَعْصُومِ وَعَكْسُهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْبَعْضِيَّةُ كَالْعِتْقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَالْمِيرَاثِ؟ .

أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمِيرَاثَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُنَاصَرَةِ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، وَخَرَجَ بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ غَيْرُهُمَا مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمِّ وَالْعَمَّةِ، وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَفَقَةَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ بِشَرْطِ اتِّفَاقِ الدِّينِ فِي غَيْرِ الْأَبْعَاضِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] .

وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّ الْمُرَادَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي نَفْيِ الْمُضَارَّةِ كَمَا قَيَّدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِالْحُرِّ الرَّقِيقُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَعَّضًا وَلَا مُكَاتَبًا، فَإِنْ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ فَهِيَ عَلَى سَيِّدِهِ، وَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمُعْسِرِ، وَالْمُعْسِرُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْعَبْدُ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ فَهَلَّا كَانَ كَذَلِكَ هُنَا؟ .

أُجِيبَ: بِأَنَّ نَفَقَتَهَا مُعَاوَضَةٌ وَتَلْزَمُ الْمُعْسِرَ، وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِهَا، وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ مُوَاسَاةٌ، وَلَا تَلْزَمُ الْمُعْسِرَ فَلَمْ تَلْزَمْهُ لِإِعْسَارِهِ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَعَلَيْهِ نَفَقَةٌ تَامَّةٌ لِتَمَامِ مِلْكِهِ فَهُوَ كَحُرِّ الْكُلِّ، وَقِيلَ: بِحَسَبِ حُرِّيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ فَتُبَعَّضُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْقَرِيبِ وَالسَّيِّدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فِيهِ مِنْ رِقٍّ وَحُرِّيَّةٍ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنْ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ قَرِيبَهُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ هُنَا لِبَقَاءِ أَحْكَامِ الرِّقِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ، بَلْ نَفَقَتُهُ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنْ عَجَزَ نَفْسُهُ فَعَلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ؛ لِأَنَّ مَا مَعَهُ إمَّا غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ مَمْلُوكٌ مُسْتَحَقٌّ فِي كِتَابِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وُلِدَ مِنْ أَمَتِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَعْتَقَ فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَى وَلَدِهِ، وَإِنْ رَقَّ رَقَّ الْوَلَدُ أَيْضًا فَيَكُونُ قَدْ أَنْفَقَ مَالَ السَّيِّدِ عَلَى رَقِيقِهِ أَوْ وَلَدٍ مِنْ زَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ أَمَةُ سَيِّدِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُ السَّيِّدِ، فَإِنْ عَتَقَ فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ، وَإِنْ رَقَّ فَقَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مَالَ سَيِّدِهِ، بِخِلَافِ وَلَدِهِ مِنْ مُكَاتَبَةِ سَيِّدِهِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَعْتِقُ فَيَتْبَعُهَا الْوَلَدُ لِكِتَابَتِهِ عَلَيْهَا وَيَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ فَيَكُونُ قَدْ فَوَّتَ مَالَ سَيِّدِهِ، وَبِالْمَعْصُومِ غَيْرُهُ مِنْ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ، إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: تَجِبُ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْصُومٍ كَمَا سَيَأْتِي. .

أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّقِيقَ لَمَّا كَانَ السَّيِّدُ مَالِكًا لِرَقَبَتِهِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ يُزِلْ مِلْكَهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ.

تَنْبِيهٌ: كَمَا يَلْزَمُ الْوَلَدَ نَفَقَةُ الْأَبِ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ الْمُحْتَاجِ لِخِدْمَتِهِ وَكَذَا زَوْجَتُهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِعْفَافِ بِخِلَافِ زَوْجَةِ الِابْنِ عَلَى الْأَصَحِّ.

، ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ فَقَالَ: (بِشَرْطِ يَسَارِ الْمُنْفِقِ) مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ فَاعْتُبِرَ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>