مِمَّا يَتَنَعَّمُ بِهِ مِنْ طَعَامٍ وَأُدْمٍ وَكِسْوَةٍ.
وَتَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَيَبِيعُ الْقَاضِي فِيهَا مَالَهُ، فَإِنْ فُقِدَ الْمَالُ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ أَوْ إعْتَاقِهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
(مِمَّا يَتَنَعَّمُ) هُوَ (بِهِ) (مِنْ طَعَامٍ وَأُدْمٍ وَكِسْوَةٍ) لِأَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَا يَلْزَمُهُ، بَلْ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغَالِبِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا هُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِهِ وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ» (١) فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى الْخِطَابِ لِقَوْمٍ مَطَاعِمُهُمْ وَمَلَابِسُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ سَائِلٍ، عُلِمَ حَالُهُ.
فَأَجَابَ بِمَا اقْتَضَاهُ الْحَالُ، وَكَسْبُهُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ إنْ شَاءَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ فَضَّلَ نَفِيسَ رَقِيقِهِ عَلَى خَسِيسِهِ كُرِهَ فِي الْعَبِيدِ وَسُنَّ فِي الْإِمَاءِ، فَتُفَضَّلُ أَمَةُ التَّسَرِّي مَثَلًا عَلَى أَمَةِ الْخِدْمَةِ فِي الْكِسْوَةِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ، وَفِي الطَّعَامِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا تُفَضَّلُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْمِلْكِ. وَقِيلَ يُسَنُّ تَفْضِيلُ النَّفِيسِ مِنْ الْعَبِيدِ أَيْضًا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ قَضِيَّةُ الْعُرْفِ، فَلَيْسَ كِسْوَةُ الرَّاعِي وَالسَّايِسِ كَكِسْوَةِ مَنْ قَامَ بِالتِّجَارَةِ، وَيُسَنُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْلِسَ بِضَمِّ الْيَاءِ رَقِيقَهُ مَعَهُ لِلْأَكْلِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ أَوْ امْتَنَعَ الرَّقِيقُ مِنْ جُلُوسِهِ مَعَهُ تَوْقِيرًا لَهُ، رَوَّغَ لَهُ مِنْ الدَّسَمِ لُقْمَةً كَبِيرَةً تَسُدُّ مَسَدًّا، لَا صَغِيرَةً تُهَيِّجُ الشَّهْوَةَ وَلَا تَقْضِي النَّهْمَةَ، أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ يُنَاوِلُهُ ذَلِكَ، وَإِجْلَاسُهُ مَعَهُ أَوْلَى لِيَتَنَاوَلَ الْقَدْرَ الَّذِي يَشْتَهِيهِ، وَهُوَ فِيمَنْ يُعَالِجُ الطَّعَامَ آكَدُ، وَلَا سِيَّمَا إنْ حَضَرَ الْمُعَالِجُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ» وَالْمَعْنَى تَشَوُّفُ النَّفْسِ لِمَا تُشَاهِدُهُ، وَهَذَا يَقْطَعُ شَهْوَتَهَا، وَالْأَمْرُ فِي الْخَبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ طَلَبًا لِلتَّوَاضُعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَلَوْ أَعْطَى السَّيِّدُ رَقِيقَهُ طَعَامًا لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ تَبْدِيلُهُ بِمَا يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْأَكْلِ بِخِلَافِ تَبْدِيلِهِ بِمَا لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ.
(وَتَسْقُطُ) كِفَايَةُ الرَّقِيقِ (بِمُضِيِّ الزَّمَانِ) فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا بِاقْتِرَاضِ الْقَاضِي أَوْ إذْنِهِ فِيهِ وَاقْتَرَضَ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِجَامِعِ وُجُوبِهَا بِالْكِفَايَةِ (وَيَبِيعُ الْقَاضِي) أَوْ يُؤَجِّرُ (فِيهَا مَالَهُ) إنْ امْتَنَعَ أَوْ غَابَ، لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ تَأْدِيَتُهُ، وَكَيْفِيَّةُ بَيْعِهِ أَوْ إيجَارِهِ أَنَّهُ إنْ تَيَسَّرَ بَيْعُ مَالِهِ أَوْ إيجَارُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ كَعَقَارٍ اسْتَدَانَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ مَا يُسَهِّلُ الْبَيْعَ أَوْ الْإِيجَارَ ثُمَّ بَاعَ أَوْ أَجَّرَ مَا يَفِي بِهِ لِمَا فِي بَيْعِهِ أَوْ إيجَارِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يُبَاعُ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَيْعُ بَعْضِهِ وَلَا إجَارَتُهُ وَتَعَذَّرَتْ الِاسْتِدَانَةُ بَاعَ جَمِيعَهُ أَوْ أَجَّرَهُ (فَإِنْ فُقِدَ الْمَالُ) الَّذِي يُنْفِقُهُ عَلَى رَقِيقِهِ (أَمَرَهُ) الْقَاضِي (بِبَيْعِهِ) أَوْ إجَارَتِهِ (أَوْ إعْتَاقِهِ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجَّرَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ إجَارَتُهُ بَاعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ أَحَدٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ فَهُوَ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِمْ الْقِيَامُ بِهِ، وَالدَّفْعُ هُنَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُكْنَى عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ لَا الْعَبْدُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute